بقلم حكيم بلمداحي
هناك مناطق في المغرب، لا نسمع بها إلا في الكوارث أو في أوقات تطرف الطقس من حرارة مفرطة أو صقيع.
لا نعرف أنفكو إلا بوفيات الأطفال جراء البرد القارس. ولا نعرف طاطا إلا من خلال ارتفاع درجات الحرارة في الصيف. ولا نعرف فم الجمعة أو أمسرير أو أيت عبدي إلا حينما تهاجمها ثلوج فصل الشتاء، لتزيد من معاناة التهميش والفقر والحاجة والإهمال…
هي مناطق ألصقت بها تسمية المغرب غير النافع منذ عهد الاستعمار، وصارت التسمية مرتبطة بالتهميش والإهمال…
هذه الأيام، تطالعنا شاشات التلفزيون بصور لأناس يتسلمون ما تيسر من المؤونة والغطاء، لمواجهة موجة البرد القارس والثلوج التي تتساقط على مناطقهم بشكل دوري، انسجاما مع مناخ هذه المناطق.
صور التلفزيون صادمة. تنقل الواقع، لكن من زاوية معالجة مختلفة عما يفرضه الموضوع، وذلك من خلال الإصرار على النفخ في العملية وتقديمها وكأنها مجرد صدقة، مما يدفع المرء إلى التقزز والشفقة، وكأن البلد يتمنن على هؤلاء المواطنين بذلك…
لست هنا لأنتقد عمل الدولة في مد العون لمغاربة يواجهون وضعا يحتاج إلى التدخل. غير أن الذي يحز في النفس، هو أن يتخذ هذا التدخل، في وسائل الإعلام على الأقل، شكلا يخرج العملية من مقام الواجب، إلى مقام الصدقة، وتبيان الأمر وكأن الدولة ليس واجبا عليها توفير شروط العيش المقبول لمواطنيها.
المغرب المنسي ليس في حاجة للصدقة. إنه يحتاج للتأهيل والاهتمام. لقد جاءت فكرة الجهوية انطلاقا من فلسفة دعم الجهات حتى لا يبقى هناك مركز وهوامش. غير أن الواقع لا يساير، لحد الآن، هذا التوجه، والعملية لم تترجم بعد عمق فلسفة الجهوية…
ما نراه في التلفزيون هذه الأيام من وجوه لفحتها قساوة الطقس، تتسلم «المعونة»، ليس سوى وجه لمعاناة على مدار السنة في مناطق «منكوبة» بشكل دوري…
هؤلاء المغاربة يعيشون في مناطق في حاجة لأشياء كثيرة، غير «المانطات» وشيء من المؤونة. هم في حاجة لمسالك تفك عنهم العزلة. هم في حاجة إلى مستشفيات ومدارس ومرافق عمومية تقدم لهم الخدمات الضرورية للحياة الكريمة.
تلك المناطق المنسية، فيها مغاربة من حقهم أن يستفيذوا من خيرات وإمكانيات البلاد. كما أنها مناطق لها من الثروات، المادية والبشرية، ما تقدمه للبلد، وهي فعلا تقدم الشئ الكثير. فرجاء لنتخل عن الكرنفالية والبهرجة، فهي سبة ما بعدها سبة، حينما يتعلق الأمر بالحالات الإنسانية…