لم يرق لمهندسي التوتر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما تنعم به الجهة الغربية للمغرب العربي الكبير من أمن واستقرار، باعتبارها آخر جبهة عربية هادئة خلال السنوات التي أعقبت الربيع العربي، وذلك بعد أن تم إجهاض وصول شراراتها إلى المملكة من خلال حكمة وتبصر الملك محمد السادس، الذي لم يقف حجر عثرة أمام التغيير، كما فعل آخرون وندموا، ففتح المرات الآمنة للمحتجين عبر خطابه التاريخي الذي أسس لمرحلة الربيع المغربي الهادئ.
وبتطبيق مقتضيات دستور 2011، حافظت المملكة على سيرها الحثيث نحو الحداثة والتطور بأيدي كافة أبنائها، كل حسب الحيز الذي اختطه له الشعب عبر صناديق الاقتراع.
غير أن مهندسي التوتر في المنطقة العربية، وبعد أن قسموا السودان، وأنهكوا تونس ومصر، وحرقوا سوريا والعراق واليمن وليبيا، وأسسوا لضرب مصالح وأمن كبرى دول الخليج العربي، المملكة العربية السعودية.. لم يرق لهم بقاء غرب المغرب العربي الكبير بمنأى عن الصراعات، خاصة وأن إذكاء التوتر فيه لا يتطلب أكثر تحريك دمية جزائرية اكتفت خلال العقود الماضية باللعب بالمساعدات الإنسانية وتسويق الأوهام.. إنها "البوليساريو" الانفصالية التي تتكون من مرتزقة مغاربة فضلوا الصيد في المياه العكرة.
وبتنسيق كامل مع السلطات الجزائرية تم نقل الدمية من صالة الألعاب إلى منطقة الكركرات، في رحلة تدرك جيدا أنها ليست سياحية، لكنها مكرهة لا بطلة.
ولأن المغرب يتصرف بمسؤولية كاملة، أمام شعبه وأمام المجتمع الدولي، فقد اكتفى بتعزيز جبهته الأمامية، مستعدا لكافة الاحتمالات، ومدركا في الوقت ذاته أن الحرب ستكون لها انعكاسات سلبية على المنطقة وعلى العالم، غير أن ذلك لن يمنعه من الحفاظ على وحدته الترابية، مهما كلف ذلك من ثمن.
غير أن المراقبين، يستبعدون نشوب حرب جديدة بين المغرب وجبهة "البوليساريو" الانفصالية المدعومة من قبل الجزائر، نظرا لعدة أسباب، من أبرزها:
ـ الأزمة التي تعصف بالاقتصاد الجزائري، الممول الرئيسي للمشروع الانفصالي.
ـ التداعيات الخطيرة للحرب على الجوار الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بثالوث الهجرة غير الشرعية، الإرهاب، والمخدرات.
ـ نوعية تسليح وتحديث الجيش المغربي خلال السنوات الأخيرة.
وفي النقطة الأخيرة، يكفي أن نتوقف عند آخر تطورات التسليح والتحديث، حيث مكنت دولة روسيا الاتحادية المملكة المغربية من الحصول على غواصات جد متطورة، تنتمي إلى الجيل الرابع، بعد تأكيد ضمانات خليجية، أثناء توقيع اتفاق ثنائي، بشأن تبادل الحماية للمعلومات الواردة في خانة المجال الحربي والتكنولوجيا العسكرية، في صفقة جريئة لتزويد المغرب بأحدث ما أنتجته مصانع الأسلحة الروسية وأكثرها سرية، إشارة على غواصات “أمور- 1650″، على أن يتسلم المغرب دفعتها الأولى قبل شهر يونيو القادم.
هذا، وبإمكان الغواصات المعينة من إطلاق ستة صواريخ دفعة واحدة على أهداف محددة في البحر أو البر من أنابيب “الطوربيد”، كما بإمكانها، استكشاف هذه الأهداف ولو من مسافة بعيدة، وذلك باستخدام “السونار” والأنظمة الإلكترونية الخاصة بذلك، كما بإمكانها التزود بمنصات صواريخ عمودية، وصواريخ “كروز” وكذا كسح الألغام البحرية، في كافة البحار والمحيطات، وحتى في المياه العميقة باستثناء المحيط المتجمد، كما بإمكانها تدمير الغواصات والسفن المعادية وحماية القواعد.
وعلى هذا الأساس، فالمراقبون يستبعدون نشوب حرب جديدة، وإن وقعت فستكون خاطفة ومحسومة لصالح الطرف المغربي، بل إنها ستقضي على آخر طموح انفصالي، وإلى الأبد.