لكي تحصل على لقب "ملكة الخدمات الاجتماعية"، من أجل التوعية بمآسي المشردين، شاركت في مسابقة عربية بإمارة دبي.. وتألقت.. وقدمت عروضا ملفتة للانتباه العربي عموما، والمغربي بصفة خاصة..
إنها الفاعلة الجمعوية، "حسناء أزواغ"، رئيسة جمعية "القلوب الرحيمة" بطنجة.. تخرج ليلا مع زوجها، وبقية طاقم الجمعية، صيفا وشتاءا، لتقديم العون لمشردي طنجة، نساءا ورجالا وأطفالا.. وتطمح لتوفير مقر لإيوائهم..
تقول: "لا تحسبن أن التشرد يقتصر على الفئات المعوزة، فليس الفقراء وحدهم عرضة للتشرد.. لقد وجدنا أشخاصا ينتمون إلى كبار الأغنياء، وعالم الأطباء، والأساتذة، وعثرنا حتى على "كولونيل ماجور" في الجيش، وعلى غير هؤلاء..."..
والتشرد له أسباب ترتبط حينا بالفقر المدقع، وأحيانا أسباب نفسية وعقلية وعصبية وغيرها..
فقد يخرج شخص، مهما كان مستواه المعيشي، من منزله، فينسى: من هو؟ ومن أين أتى؟ وإلى أين هو ذاهب؟ ثم يضيع في الشوارع، ولا يعرفه أحد..
- كل الناس عرضة للتشرد..
هكذا تردد السيدة "حسناء".. وتقول: "أصبحت ظاهرة التشرد مقلقة للغاية.. فأنا نفسي، وأنت، ونحن جميعا، يمكن أن نجد أنفسنا يوما، ونحن نفترش الشوارع، ونتغطى بالسماء، لأننا فقدنا، لسبب أو آخر، صلتنا بالأهل والجيران ومن يعرفوننا ونعرفهم.. وهذا ما وقع لأفراد عثرنا عليهم في شوارع التشرد.. ومنهم من فارق الحياة تحت المطر والبرد القارس! أطفال ونساء ورجال قد أوصلتهم أقدامهم إلى عالم التشرد.. فعلينا أن نولي هذه المشكلة الاجتماعية كل العناية الإنسانية المطلوبة!"..
و"حسناء" لا تكل ولا تمل..
ولم تفقد الأمل في إنقاذ مجتمعنا من التشرد..
- أجل! كل الناس معرضون للتشرد..
بينما وزيرة "الأسرة والتضامن والطفل" - المغربية - صرحت ذات يوم: "لا وجود للفقر والتشرد في المغرب"..
السيدة الوزيرة لم تفهم أنها هي نفسها، حتى وهي وزيرة، يمكن أن تتعرض للتشرد..
وما دامت لم تفهم، يتوجب تذكيرها بالرئيس الأمريكي الأسبق، رونالد ريغن.. إنه في وقت ما، من عمر الشيخوخة، أصبح لا يعرف: من هو؟ ولا يتذكر أنه في السابق كان هو نفسه يحمل لقب: "فخامة الرئيس الأمريكي"..
السيدة الوزيرة تجهل أن في عالم اليوم أمراضا لا تستثني أحدا، وتتسبب في نسيان كل شيء..
أمراض منها "زهايمر"، والصدمات الانفعالية، والإصابات الدماغية...
والتشرد لا يستثني أحدا من البشر، كبيرا كان أو صغيرا..
وعن شوارعنا، لا وجود لإحصاء..
وحكومتنا لا تعبأ بالمشردين، وتلقي بالمشكل في شباك مؤسسة اسمها "التعاون الوطني"، علما بأن التشرد يتطلب ورشة وطنية كبرى، وانخراطا لكل المجتمع المدني، وبدعم كامل، ومراقبة دقيقة من الدولة، على أساس: "لا تهاون مع التشرد!"..
وطبعا، تبقى الأحياء الفقيرة عندنا اكثر إنتاجا لمشردات ومشردين، وفيها يتعلم أطفال كيف يلتحقون بقوافل المشردين..
الأحياء الفقيرة أصبحت "مصانع" لإنتاج التشرد..
أطفال ضائعون في الشوارع.. وتراهم منومين في أحضان نساء متسولات، ولا أحد يعبأ بهذا المشكل الخطير.. ولا مسؤول محلي.. ولا حكومة.. ولا أحزاب.. ولا برلمان.. وكأن الاتجار بالأطفال أمر طبيعي..
- ليس طبيعيا!
يجب منع التسول بالأطفال، لعدة أسباب منها كونهم يشكلون مشروع تشرد..
ويجب إعادة النظر في مؤسسات "التعاون الوطني" لأنها تحولت هي نفسها إلى مكان للتشرد.. وها هم مشردو الشوارع يتحولون إلى مشردين داخل مؤسسة تحارب التشرد..
ومختلون من كل الفئات الاجتماعية، ومنهم جامعيون بشهادات عليا يبحثون عمل، ويكونون عرضة للضياع، وبالتي ساكنين في التشرد..
الكل معرض للتشرد..
أشخاص مشردون في بيوتهم.. لا راحة نفسية.. مع مشاكل اجتماعية.. وفقر.. وتفكك الأسرة.. وهذا وغيره يدفع بالأطفال إلى التشرد..
وبنات انهارت حياتهن بسبب اغتصاب ووعود زواج، وأصبحن عرضة ﻹنجاب متكرر في الشوارع، وأطفالهن عرضة للتشرد والاغتصاب..
ومؤسسات الدولة تغض الطرف عن كل هذا..
وإلى عجزة في الشوارع، مرضى، بلا مأوى، ولا علاج، بسبب الإرث الذي لا يتم توزيعه بالتساوي.. فيكون هذا أيضا من أسباب التشرد..
تعددت أوجه التشرد عندنا.. ويبقى التشرد واحدا.. مأساويا.. مضرا بالجميع.. وحتى بمن فينا لا يتصورون أنهم هم قد يكونون ذات يوم من نزلاء الشوارع..
ومجتمعنا ما زال يعتبر الظاهرة طبيعية..
والدولة تعتبر التشرد شبه طبيعي..
فهل نحن كلنا، بعقلية طبيعية؟
هل نحن طبيعيون؟
كل العالم يعاني مشكل التشرد.. فعلينا نحن أن نقوم بالواجب الإنساني المنوط بنا..
وعلى مجتمعنا أن يتحرك من مشاعره الإنسانية.. ويأخذ العبرة من الخارج، ما دمنا معقدين بالخارج:
- ملكة جمال إنجلترا، والطالبة بجامعة كمبريدج، "كارينا تيريل" وضعت تاجها على رأسها، وتجملت بالمساحيق، ثم خرجت إلى الشارع.. وصارت تنام ليلا في الشارع، ككل المشردين.. وهدفها: توعية الناس بمآسي التشرد..
وأصبحت ملكة الجمال تسمى، إعلاميا، "ملكة المشردين"..
وانتقلت التسمية الإعلامية إلى "حسناء طنجة": الممرضة "حسناء أزواغ"..
"حسناء" طنجة، تقضي ليلتين كل أسبوع، صيفا وشتاءا، مع زوجها وطاقم "القلوب الرحيمة"، في شوارع التشرد، لكي تقدم للجميع رسالة: "التشرد مأساة إنسانية تحدث أمامنا.. فكيف نغض الطرف؟ وإلى متى نحن صامتون؟