حاول عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية ورئيس الحكومة المعين، تمرير تبريرات واهية لخرجته الإعلامية، التي اتهم فيها روسيا بتخريب سوريا عبر دعمها لنظام بشار الأسد، وهي الخرجة التي كلفت زيارة السفير الروسي بالرباط لوزير الخارجية محتجا، وأراد بنكيران أن يجعل من القضية مجرد انتقام من صلاح الدين مزوار، الرئيس السابق للتجمع الوطني للأحرار، وهذا ما حاول تمريره من خلال الإعلام التابع له.
لا يمكن اختزال بيان الخارجية المغربية في مجرد خلافات بين طرفين حزبيين. ومن يقول بذلك لا يفهم آليات اشتغال الديبلوماسية المغربية. الخارجية هي العنوان لتصريف مواقف الدولة وليست هي المنتج لمواقف الدولة. الموقف الرسمي للدولة يخرج من مسالك ضيقة متعددة ويُطبخ جيدا على نار هادئة قبل أن يتم تقديمه للعلن.
الخارجية هي وجه الدولة بالخارج، وعندما تتعرض سيادة المغرب للمس من قبل جهة من الجهات تنبري الديبلوماسية للدفاع عن مواقف المغرب، وبالتالي فهي تدافع عن موقف الدولة، سواء تعلق الأمر بقضايا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، لأنه مهما تكن المواقف الداخلية من سير مؤسسات الدولة ففي الخارج فإنها تمثل الشعب وتدافع عن سيادته.
لما نتحدث عن سيادة الدولة التي هي من المهام الدفاعية للخارجية وحتى الهجومية أحيانا لا يمكن اختزالها في الدفاع عن مواقف المغرب في الخارج، أي لما تقم دولة أو مؤسسة أو جهة ما بالتحرش بالمغرب أو تصدر تقريرا مغرضا خدمة لأجندات معينة، ولكن أيضا عندما تلجم المغاربة الذين يتسببون في توتير العلاقات مع بعض البلدان أو يحاولون إشعال الحرائق، فدور الديبلوماسية هو إطفاؤها إبقاء على العلاقات ودعما لها.
ليس بنكيران غبيا حتى نقول إن تصريحاته حول روسيا زلة لسان. الزعيم الإسلامي يحسب كلامه، فما قاله هو موقفه الحقيقي. لسنا ضد أن يكون لنكيران وحزب العدالة والتنمية موقفا مختلفا من التدخل الروسي في سوريا. فهذا حقهم وتقديرهم وتعبير عن انتمائهم الإديولوجي خصوصا أنه بين الإخوان والأسد ثأر تاريخي منذ معركة حماة سنة 1982.
ولكن ضد أن يصدر بنكيران مثل هاته التصريحات وهو رئيس للحكومة يمثل المغاربة، الذين ينتمون للعدالة والتنمية والذين صوتوا لفائدته والذين صوتوا لفائدة أحزاب أخرى وحتى الذين لم يصوتوا، ومن هنا واجب عليه التحفظ في تصريحاته التي يدلي بها للإعلام والتي يقولها في خطاباته الجماهيرية.
ليس من دور رجل الدولة أن يشعل الحريق هنا وهناك، ولكن دروه أن يطفئ الحرائق وأن يقدر مصالح البلاد والعباد.
لنكن واضحين. مهما يكن موقفنا من التدخل الروسي في سوريا. ليس من مصلحتنا الدخول في صراع لا نربح منه شيئا. المغرب اختار النأي بالنفس عن التورط في هذا الصراع، ودعا كافة الأطراف لإيجاد حلول سلمية وساهم إنسانيا، أما الدخول في صراع مع روسيا فهو ضد التوجهات الملكية بتنويع الحلفاء الاستراتيجيين.
لن نتهم بنكيران بأنه تلقى التعليمات من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ولكن نعرف أن ما قاله هو موقفهم، ولكن نقول إن بنكيران أراد إرضاء قطر التي ما زالت مصرة على تسليح جبهة النصرة، ولكن ما قاله يسير في الطريق نفسه.