بين ديبلوماسية الدولة وديبلوماسية الإخوان بون شاسع. فالدولة تمثل المؤسسات الثابتة بينما الأحزاب تشكل حكومات زائلة، ومواقفها غالبا تسير في اتجاه خدمة مصالح شركائها الدوليين، بينما الدولة تراعي في كل موقف مصلحة الوطن قبل أي شيء آخر. فالدولة ليست منافسا ولهذا لا يهمها المزايدات السياسية كما تفعل الأحزاب السياسية.
عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية ورئيس الحكومة المعين، كان موضوع احتجاج من قبل السفير الروسي بالرباط، بعد تصريحات قال فيها إن روسيا تقوم بتخريب سوريا عبر دعمها لنظام الأسد. لسنا هنا في وارد مناقشة مواقف كل طرف من النزاع في سوريا.
نعرف أن حزب العدالة والتنمية أرسل أبناءه إلى سوريا ودخلوا عن طريق دعم المخابرات التركية وقضوا أياما في ضيافة جبهة النصرة، ولما عادوا نظم لهم حفل تكريم ترأسه مصطفى الخلفي وزير الاتصال حينها. لكن ما لا يمكن استساغته هو تصريف مواقف الحزب عن طريق مؤسسات الحكومة.
من حق حزب العدالة والتنمية أن يختار المواقف التي يريد وفق تصوره وانتمائه ولكن ليس من حقه أن يصرف ذلك عن طريق الحكومة. فروسيا الاتحادية دولة عظمى ويرتبط معها المغرب بعلاقات جيدة تعززت بعد الزيارة الملكية وتوقيع مجموعة من الاتفاقيات الكبيرة. فمصلحة المغرب تقتضي ألا نصدر مواقف تضرب هذه الدولة. دخلت سوريا فهذا شأنها وليس شأننا نحن. ما يهمنا معها هو الاتفاقيات المهمة.
بنكيران نسي أن الخريطة الجيوسياسية في العالم يتم رسمها من جديد، ولن نساهم فيها ونستفيد من خلال دعم جماعات الإخوان المسلمين ولكن من خلال تنويع العلاقات، وهذا هو النهج الملكي بالانفتاح على شركاء جدد أي روسيا والصين والهند والتوجه نحو إفريقيا.
الحكومة وخصوصا وزارة الخارجية لا يمكن إخضاعها لمنطق الأحزاب السياسية. عندما ذهب سعد الدين العثماني، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، في حكومة بنكيران الأولى إلى الكويت والتقى جماعة الإخوان المسلمين كاد يتسبب في أزمة ديبلوماسية، لكن واجب التحفظ يفرض على الوزير أن يكون رسميا ومحتاطا كثيرا في كلامه.
وبعد واقعة الكويت جاءت واقعة رفع شارة رابعة العدوية من قبل عبد الإله بنكيران، الذي هو رئيس للحكومة يمثل كافة المغاربة الذين يساندون السيسي أو الذين يساندون مرسي والذين لا يساندون أحدا، ويمثل الحكومة التي هي جزء من الدولة التي لها مصالح محددة ودقيقة وأي موقف هو محسوب عليها.
يتذكر المغاربة جيدا أن جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني لما طلبت منه الكتلة في حكومة التناوب الأولى التي لم يكتب لها أن ترى النور سنة 1993، وزارة الخارجية قال لهم بالأمس أحرقتم أعلام دول صديقة فكيف ستواجهونهم اليوم.
الديبلوماسية هي مصلحة إطفاء الحرائق أما إشعالها فسهل جدا جدا، وبالتالي من السهل أن تخرب علاقة مع دولة أو تقطعها لكن أن تعيد من الصعب.