المغرب دولة المؤسسات، هذا مانعيشه اليوم من خلال استمرار البلد في العمل دون كثير كلام، رغم أن الحكومة لم تتشكل بعد مرور شهرين على تعيين رئيسها ابن كيران.
مناصب الشغل الجديدة تخلق، الصفقات العمومية والخاصة تمر بشكل عادي، عمل البلد يبدو أقدر على الفعالية بشكل كبير، والملك لا يتوقف عن الاشتغال والاشتغال والاشتغال، فيما الطبقة الحزبية تتحدث وتتحدث وتتحدث.
قالها أحد المتتبعين السياسيين المخضرمين واختزل بها النقاش كله: أفضل تفعيل وأحسن تنزيل لدستور 2011 هو رسالة الجولة الملكية في إفريقيا التي حققت للمغرب إنجازات عدة، واتفاقيات هامة مع دول في غاية الأهمية لمستقبل البلد ومستقبل قضيته الوطنية الأولى، ومستقبل تنميته.
كيف ذلك؟ وما علاقة الجولة الملكية في إفريقيا بدستور 2011؟
الإجابة واضحة، ويلمسها اليوم الجميع. ففي عز المشاورات لأجل تشكيل الحكومة، وفي ظل عجز عبد الإله ابن كيران عن إقناع حلفائه المفترضين بالدخول معه في ائتلافه الحكومي مثلما يتصوره، أتت عدة إشارات تتمنى تدخلا ملكيا لتسهيل الأمر على رئيس الحكومة المعين، ولتجاوز ما تمت تسميته إعلاميا “حالة البلوكاج”، وإنهاء هذا المسلسل..
إشارات أخذت أحيانا طابعا متخفيا من خلال الحديث عن انتظار انتهاء الجولة الإفريقية و”ستتحسن الأمور وستنفرج”، أو أخذت في مرات ثانيا طابعا مباشرا قد يصل حدود عدم اللياقة مثل لحظة “إعادة المفاتيح إلى صاحبها” التي نقلتها جريدة مقربة عن ابن كيران على لسانه “إذا ما استمر الوضع على ماهو عليه”.
على النوعين معا من الإشارات كان الرد الملكي في مستوى اللحظة الدستورية المغربية الراقية التي تحققت سنة 2011. الملك فوق الأحزاب. وقد عاهد نفسه وشعبه في غير ما خطاب على أن يبقى في منأى بنفسه عن أي تدخل في حياتها أو في قرارها لأنه ملك كل المغاربة، الذين صوتوا للعدالة والتنمية والذين صوتوا للأحزاب الأخرى، بل إن جلالته وضحها في خطاب له شهير بأنه “ملك للمغاربة سواء كانوا من المصوتين أو من عدم المصوتين”.
لذلك لم يقع أي تدخل، ولذلك استمرت الجولة الملكية في إفريقيا تسجل النجاح تلو النجاح، ولم تتوقف إلا للحظة الكوب 22 الكبرى التي احتضنها المغرب، وبعدها كانت العودة مجددا إلى حضن القارة الأم لأجل مزيد من الاستكمال لهاته العودة المغربية التي لا يمكن إلا أن تكون مربحة للمغرب وللقارة معا..
أكثر من هذا وبعد مرور قرابة الشهرين على تعيين عبد الإله ابن كيران رئيسا للحكومة، وبعد كل هذا الوقت الذي مر على “فشل” ابن كيران في تجاوز حالة التوقف الحزبي التي يعيشها هو وحلفاؤه والتي تمنعه من الأداء الجيد للمهمة التي كلفه جلالة الملك ثلاثة أيام بعد اقتراع السابع من أكتوبر بالقيام بها، تسير الأمور في المغرب بشكل عادي وسليم وسلس ولا إشكال فيه إطلاقا.
الحكومة أصبحت أخف بعد أن تم الاستغناء عن الوزراء / البرلمانيين، وحققت اللحظة المغربية الفريدة التي نعيشها ذلك المطلب الشعبي الشهير بضرورة تقليص عدد الوزراء، وهو ما لم ينعكس سلبا على أداء حكومة تصريف الأعمال، بل العكس هو الحادث.
المؤسسات العمومية والمنشآت التي تسير شؤون الناس تشتغل بشكل عادي، رواتب الموظفين تصرف، الاحتياجات الأساسية للمواطنين متوفرة، كل الإدارات تشتغل وفق طريقة عملها العادية إلى الدرجة التي تجعل من لايعرف أن في المغرب اليوم أزمة تشكيل حكومة يعانيها ابن كيران يشك في أن الأمر حقيقي وفي أن البلد هو حقا بلا حكومة
مرد ذلك؟
تفسيره بسيط للغاية، هو أن المغرب دولة مؤسسات، وعلى رأس هاته المؤسسات المؤسسة الملكية، التي تضمن السير العادي للدولة، والتي تعطي من خلال هاته اللحظة النادرة التي نمر بها الدليل مجددا – لمن كان بحاجة إلى دليل – على أن في قوة هاته المؤسسة قوة للبلد بأسره، وعلى أن في احترام هاته المؤسسة للدستور الذي صوت عليها المغاربة في 2011والذي تجاوز الدساتير السابقة، الرغبة الواضحة التي لا تقبل أي جدل في الدخول بالمغرب بوابة نقاش سياسي آخر أكثر تقدما وأكثر تطورا، وأساسا أكثر نفعا للشعب من خلال البحث للبلد عن مقدرات تنمية جديدة، والانكباب على الأهم: التنمية، وترك الصراعات الحزبية الجانبية التي كلفت المغرب الشيء الكثير على امتداد أكثر من نصف قرن لمن امتهنوا هاته الصراعات الحزبية، وفي الختام صناديق الاقتراع هي الحكم بين الجميع، والملك فوق الجميع، والدولة سائرة متمكنة من أساليب اشتغالها، ومن طرق بقائها قادرة على ضمان سيرها العادي دونما تأثر بهاته المطبات الحزبيية الصغيرة العابرة التي يمكنها أن تتكرر باستمرار
هل نقول إنه دليل آخر على استثنائنا المغربي الذي لطالما تحدثنا عنه؟
لا ندري، لأن السؤال الذي يفرض نفسه علينا أكثر اليوم هو : هل نحتاج فعلا لأدلة جديدة على هذا الاستثناء المغربي المتميز حقا؟
AHDATH.INFO