منذ اعلانه في منتصف يوليو/تموز نيته العودة إلى الاتحاد الافريقي، يعول المغرب خصوصا على العمل الدبلوماسي الاقتصادي لكسب أكبر دعم ممكن لقضيته في ما يسمى "دبلوماسية العقود".
وبدأ العاهل المغربي الملك محمد السادس في الأشهر الأخيرة رحلات في افريقيا من رواندا إلى تنزانيا والغابون والسنغال واثيوبيا ومدغشقر حيث اختتم الخميس زيارة استمرت عشرة أيام، وقريبا سيتوجه إلى زامبيا.
وشهدت كل واحدة من الرحلات التي يرافق العاهل المغربي فيها وفد من الوزراء وأرباب العمل ورجال الأعمال توقيع عدد كبير من الاتفاقات التجارية.
وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، وقعت في أديس أبابا سبعة اتفاقات ثنائية وخصوصا عقد كبير بقيمة ملياري يورو لبناء مجمع لإنتاج السماد الزراعي يفترض أن يؤمن الإكتفاء الذاتي لهذا البلد بحلول 2025.
وفي انتاناناريفو، أعلن عن 22 اتفاقية على رأسها مشروع طموح يتعلق بقناة بانغالان الطبيعي التي تمتد 700 كيلومتر على طول الساحل الشرقي لمدغشقر.
والمشروع الكبير الثاني هو اعادة تأهيل خليج كوكودي في ابيدجان الذي قدرت كلفته بأكثر من 150 مليون يورو. وقد بدأ في 2015 ويفترض أن ينتهي في 2019 بينما يحتل المغرب المرتبة الأولى في لائحة المستثمرين الأجانب في ساحل العاج.
سفراء في افريقيا
واطلقت المملكة المغربية قبل 15 عاما "استراتيجيتها الافريقية" عبر الاعتماد خصوصا على "أبطالها الوطنيين"، أي أهم منجزات اقتصادها في مجالات المصارف والتأمين والاتصالات والصناعة والبناء العقاري.
وقال أمين ضفير الأستاذ في جامعة الحسن الثاني المحمدية والخبير في هذه "الدبلوماسية الاقتصادية" إن "الرؤية المغربية تقضي بجعل هذه الشركات الوطنية سفراء حقيقيين في افريقيا"، مضيفا أن الأمر يتعلق "بنشوء دبلوماسية عقود".
وحتى 2016، كانت الرباط تتطلع بشكل أساسي إلى الدول الفرنكوفونية في غرب افريقيا، منطقة نفوذها الطبيعي وهي التي تدعم موقف الرباط من تمسكه بسيادته على صحرائه في مواجهة النزعة الانفصالية التي تقودها جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
ويسيطر المغرب على هذه المنطقة التي تطالب ما تسمى جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو)، بانفصالها.
وفي الأشهر الأخيرة وعلى وقع الجولات والخطب الملكية بهدف العودة إلى الاتحاد الافريقي، وسع المغرب نطاق عمله إلى كل القارة وقام مثلا بتقارب غير مسبوق مع دول شرق افريقيا التي كانت العلاقات معها غير وطيدة ومتوترة في بعض الأحيان بسبب اعترافها بما يسمى "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" التي اعلنتها بوليساريو.
وفي الصف الأول من هذه الدبلوماسية التجارية الجديدة، شركات مهمة في القطاع الخاص تشارك في بعضها بما فيها الشركة القابضة للأسرة الملكية "الشركة الوطنية للاستثمار" كمساهم.
ومثال على ذلك أيضا "التجاري وفا بنك" أكبر مجموعة مصرفية في البلاد تمكنت عبر عمليات استثمار واستحواذ من التمركز في عدد من دول القارة ومؤخرا في رواندا حيث اشترت "الشركة العامة للمصرف" (كوجيبنك).
كما يعتمد المغرب على شركته العامة مثل المكتب أو المجمع الشريفي للفوسفات أحد أهم المجموعات المنتجة للأسمدة في العالم وينوي استثمار 15 مليار دولار في افريقيا في السنوات الـ15 المقبلة.
تعاون بين دول الجنوب
وأصبح المغرب ثاني دولة مستثمرة في افريقيا بعد جنوب افريقيا. ويفيد تقرير للمركز الفكري المغربي "او سي بي بوليسي سنتر" أن الرباط أبرمت حوالى 500 اتفاق للتعاون منذ العام 2000.
وتمثل افريقيا جنوب الصحراء 62.9 بالمئة من الاستثمارات المباشرة الأجنبية المغربية في العالم، بينها 41.6 بالمئة في القطاع المصرفي.
ويوضح ملك المغرب باستمرار في خطبه لشركائه الافارقة هذه الاستراتيجية الجديدة للتعاون بين دول الجنوب و"التضامنية" و"للتنمية المشتركة" مضفيا بعض العبارات المناهضة للاستعمار.
وكان الملك محمد السادس قد وضح في مقابلة مع الصحافة في مدغشقر مؤخرا خلال زيارات لافريقيا أو خلال المشاريع التي خططها أن الأمر "لا يتعلق اطلاقا بإعطاء دروس، بل اقترح أن نتقاسم تجاربنا".
ورأى ادريس غريني الأستاذ في جامعة مراكش أن "الأفارقة باتوا ينظرون نظرة سيئة" إلى أطماع القوى العالمية الكبرى في ثروات افريقيا.
وأضاف "بالعكس، علاقات المغرب مع دول جنوب الصحراء ينظر إليها بشكل جيد لأنها محكومة برؤية مرتبطة بمصالح مشتركة وفق منطقة الطرفين الرابحين".
وفي نفس السياق يبحث المغرب ونيجيريا مشروعا مهما لمد خط انابيب غاز يعبر غرب افريقيا لإيصال الغاز الى اوروبا، وفق ما علم من مصادر متطابقة السبت.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قام بزيارة رسمية لابوجا في الاول والثاني من كانون الاول/ديسمبر حيث التقى الرئيس النيجيري محمد بخاري.
واكد وزير الخارجية النيجيري جيفري اونييما ان مشروع مد "انبوب غاز عابر لافريقيا من نيجيريا الى المغرب وصولا الى اوروبا"، هو موضع بحث وذلك في شريط فيديو نشر على حساب الرئاسة النيجيرية على تويتر.
واضاف الوزير "انه مشروع مهم جدا بالنسبة الينا" دون ان يقدم المزيد من التفاصيل.
وكان بدا العمل في 2005 في اكبر خط انابيب غاز في غرب افريقيا ويربط مناطق انتاج الغاز في نيجيريا بأسواق المستهلكين في ساحل غرب افريقيا (بنين وتوغو وغانا)، وبدأ ايصال الغاز في 2010.
وبحسب الصحافة المغربية فان مشروع مد خط الانابيب الى المغرب واوروبا كان في صلب المباحثات بين العاهل المغربي والرئيس النيجيري.
وتحدث موقع "ايكونومي-انتربيز" عن "مشروع طموح جدا تقدر قيمته بعدة مليارات من الدولارات"، مؤكدا ان الرباط وابوجا ستوقعان قريبا مذكرة تفاهم لبناء خط الانابيب.
وكتب الموقع ذاته ان العاهل المغربي قطع الطريق على الجزائريين الذين بدأوا في 2002 مفاوضات مع حكومة نيجيريا لإقامة مشروع مماثل عبر الساحل لكن تعذر توفير التمويلات للمشروع.
من جانبه قال موقع "تيل كيل" المغربي ان هدف المشروع المغربي النيجيري هو تمديد خط انابيب الغاز القائم "باتجاه المغرب مرورا بدكار".
ومخزون الغاز في نيجيريا، وهي ايضا منتج كبير للنفط، ضخم حيث تملك اكبر احتياطي مثبت من الغاز في افريقيا وسابع احتياطي في العالم.
بلقاسم الشايب