تحدث أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، عن الدين الإسلامي وتفسيراته المختلفة، داعيا إلى الاستفادة من التجارب البشرية في هذا المجال؛ وذلك خلال الدورة الثالثة للندوة العلمية حول الدين والمرأة، التي تنظمها حركة ضمير على مدى يومين بالمكتبة الوطنية في الرباط.
الخمليشي أكد في محاضرته أن المشكل لا يكمن في الدين في حد ذاته، وإنما في التفسيرات التي ترتبط به، وهذا ما ينطبق على عدد من الأديان، "حتى تلك الديانات التي لا نعرف عددها وأسماءها"، مستشهدا في ذلك بالديانات الموجودة في آسيا وإفريقيا والمكسيك والبرازيل، والتي لا نعرف عنها شيئا، على حد تعبيره.
ومع نشوء هذه الديانات، ومنذ بداياتها، يقول الفقيه المغربي، كانت هناك طائفة من الناس تدعي الاختصاص بشرح هذا الدين، "هذا الارث الإنساني توارثناه في الاسلام ونشأ الفقهاء الذين قالوا إنهم وحدهم من يختص بشرح نصوص الدين"، في ما حدث قبل أربعة قرون أن المسيحية تنازعت مع الثورة على التشريع، وبعد مسار طويل انتقلت المجتمعات الأوروبية من التشريع عن طريق الكنيسة إلى المؤسسات التي يختارها المجتمع.
وبعد ذلك، تم تطبيق مبادئ الحرية والمساواة، يقول الخمليشي، وهذا تطبيق للقيم المسيحية؛ وهو ما يعني أن المشكل هو في تفسير الدين وليس الدين في حد ذاته، ثم انعتقت الديانة المسيحية من التقاليد التي كانت موروثة لسنوات، وتم الانتقال للأحكام الدستورية.
"إذا ما رجعنا إلى ما نحن عليه نجد أن المشكل مرتبط بهذا النموذج المتعلق بذلك بالتفسير"، يضيف المتحدث ذاته، موضحا "أن الجهة التي حازت هذا التفسير وتملكته لا تزال تدعي المشروعية وحدها في تفسير نصوص الدين، أي أن ما ينبغي مناقشته هو تفسير نصوص الدين بالنسبة للمجتمع الذي لا يزال متمسكا بعقيدته الدينية"، في إشارة منه إلى ما يعيشه المجتمع المغربي.
وأوضح الخمليشي أنه فيما يخص وضعية المرأة والدين، فإنها مرتبطة بالجانب التفسيري، كما هو الحال بالنسبة إلى المسيحية، "إذا رجعنا مثلا إلى إعلان حقوق الإنسان الذي أصدرته الثورة الفرنسية ينص على مبدأ الحرية ومبدأ المساواة؛ لكن ماذا تضمن القانون الفرنسي بعد ذلك؟ تضمن سلب الأهلية المدنية للمتزوجة والترافع أمام القضاء، واستمر هذا الحال لأجيال، رغم وجود المبادئ الثلاثة لحقوق الإنسان والمواطن، فلم تعط حق الانتخاب للمرأة إلا سنة 1944"، على حد تعبيره.
وتبعا لذلك، "يتضح أن قواعد السلوك الاجتماعي شيء والتطبيق شيء آخر مرتبط بالثقافة السائدة في المجتمع"، يقول الخمليشي، "وعندما نختلف لا ينبغي أن نكون متشائمين في الاختلافات بين بيننا بما فيها وضعية المرأة".
وأوضح المتحدث ذاته أنه في السابق كانت الغلبة للقوة فمن وصل إلى كرسي الحكم ينفذ الرأي الذي يراه صوابا؛ لكن حاليا تجاوز المجتمع البشري تلك المرحلة، وانتقل للمؤسسات الدستورية التي هي الحكم في ما تريد، على حد تعبير الخمليشي.
لكن بالنسبة إلى المغرب، يضيف المتحدث ذاته، فإنه لم يصل إلى هذه المرحلة، ولكن المجتمع البشري وصل إليها، ويضمن لكل فرد أن يؤمن برأيه والدعوة إليه، داعيا إلى التعايش على تدبير الاختلافات، بالرغم من أن الوعي لا يزال محدودا، "ولم نصل إلى هذه الدرجة ونواجه استعمال العنف إما العنف الدموي أو اللفظي عندما نصف خصومنا بأقدح الأوصاف"، مضيفا أن "الناس أحرار في آرائهم وما ينبغي أن يكون هو التوافق على صياغة قواعد التعايش الاجتماعي السلمي".
وعاد الخمليشي إلى التأكيد على أن المشكل هو في التفسير الذي يجب أن يكون مرتبطا بتطور المجتمع البشري، داعيا إلى الاستفادة مما وصلت إليه الحياة الاجتماعية الإنسانية، خاصة النظام الدستوري، من أجل تقريب الأحكام التي تنظم العلاقات جميع الشؤون العامة وليس بين الجنسين فقط.
الشيخ اليوسي