خلقت واقعتا مقتل شخصين برصاص الشرطة، نقاشا واسعا على شبكات التواصل الاجتماعية، بل خلقت جدلا بلغ أحيانا حد التضارب المتطرف…
البوليميك الذي سار، في اتجاهات غريبة أحيانا، لاقى عدم شرح أوتواصل شاف من طرف السلطات، مما غذى الضبابية والاستسهال في الكلام. وأخطر ما يثير المتتبع، في هذا الموضوع، هو أن التطرف في التطرق للواقعتين، سار نحو الإقرار بأن ما جرى هو عملية إعدام، يراه البعض مستحقا، ويراه البعض الآخر خرقا لحقوق الإنسان وللقانون… وهذا الأمر يشي بعدم إلمام بالموضوع من كل جوانبه.
إذا كان الأمر عملية إعدام، كما يحاول البعض تسويقها، ففي الأمر خرق سافر للقانون وللقواعد، ويعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. فليس من حق أي جهة أن تخرق الحق في الحياة، مهما كانت المسوغات… غير أن موضوع تدخل القائمين على إنفاذ القانون واستعمالهم للعنف لمنع وقوع جريمة أو لاعتقال خارج عن القانون أو مشتبه به، مقنن وله شروطه…
لابد من الإقرار بأن الدولة مخول لها استعمال العنف، بقوة القانون، وذلك تبعا للعقد الاجتماعي. كما أن هذا العنف قد يصل إلى مستوى استعمال الرصاص، في حالات استثنائية، وحيث يكون اللجوء إلى ذلك ضروريا، وليست هناك وسيلة أخرى غيره…
إطلاق النار، حسب المعايير الدولية لحقوق الإنسان يعتبر وسيلة متطرفة، لا يتم اللجوء إليها إلا في حالة لجوء الشخص، موضوع إنفاذ القانون، إلى مقاومة مسلحة أو إلى أسلوب آخر يضع الغير في خطر، ولا توجد أساليب أخرى للسيطرة عليه إلا باطلاق النار. كما أن هناك قواعد صارمة يجب أن يخضع لها القائمون على إنفاذ القانون في أي تدخل باستعمال الرصاص…
إذن فما وقع ببني ملال وسلا يجب أن يخضع لهذه القواعد، والآليات الحمائية لحقوق الإنسان، ومنها القضاء، وحدها مخول لها التحقيق وترتيب الجزاء.
طبعا ليست هذه دعوة لعدم الخوض في هذا الموضوع من طرف«الرأي العام»، لكن الخوض فيه يجب أن يعتمد على معرفة بالقوانين والقواعد والمساطر…
لكن هناك أمر لابد من الوقوف عنده بشكل أساس، وهو أن الخلط الذي نسمعه ونقرؤه اليوم في شتى الأمور، يتم مواجهته والتغلب عليه، بإقرار الحكامة الأمنية كما وضعتها هيئة الإنصاف والمصالحة، وتشكيل الآليات التي التزم بها المغرب في جانب حماية حقوق الإنسان من الانتهاك. أما الشعبوية المتطرفة أو الهاجس الأمني المبالغ فيه، فلن يزيدا بنا إلى الأمام قيد أنملة…
بقلم حكيم بلمداحي