لم تكن السياسة في يوم من الأيام تجارة، لكن تم تحويلها إلى موضوع للاستثمار، حيث يتم استغلال الرأسمال الرمزي، بتعبير بورديو، وتحويله إلى رأسمال مادي، وبينما كانت الأحزاب والتنظيمات وسيلة لتجميع القدرات النضالية وتوجيه التضحيات، أصبحت مثل الشركات التي لا تنتج أفكارا ولكن تنتج كلاما، يتم بيعه في النهاية وربح الأموال الطائلة بسهولة، مما حول التشكيلات السياسية إلى مرتع خطير للاغتناء السهل والريع السياسي ومراكمة التعويضات.
تم تخصيص تعويضات لكل المهام التي يتولاها المنتخبون، لقد تم اعتبار بعض التمثيليات متناقضة كرئيس جهة وبرلماني، بينما يمكن أن يكون نائب برلماني رئيسا لمجلس جماعي، كما يمنع القانون الجمع بين صفة برلماني والعضوية في بعض المجالس الدستورية، وما زال جامع المعتصم، رئيس ديوان رئيس حكومة تصريف الأعمال والقائم بأعمال رئاسة الحكومة، عضوا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي رغم انتخابه نائبا برلمانيا عن دائرة سلا.
لقد وقع الجميع في خطإ فادح وتم تمرير أمر خطير في هذا البلد العزيز، وهو تحويل تعويضات البرلماني إلى راتب يتلوه تقاعدا، مع العلم أن ما يحصل عليه البرلماني هو مجرد تعويض عن التمثيلية، أي بدل التنقل والمساهمة في اللجان وحضور الجلسات والتصويت، لكن مع كامل الأسف، أضيفت تعويضات للتعويض من قبيل بطاقة القطار المجانية الدرجة الأولى والمبيت في الفنادق وبونات المازوت، وهذه التعويضات كلها تندرج تحت سقف التعويض الأصلي، الذي تحول بقدرة قادر إلى راتب.
عندما ينتدب البرلمان أعضاء منه لعضوية مجالس معينة فإنه ينتدبهم لهذه المهمة مقابل ما يحصلون عليه من تعويضات من البرلمان وليس للحصول على تعويضات إضافية، فتحولت هذه القضية إلى تجارة رائجة ومربحة للأحزاب السياسية التي تقوم بتعويض مناضليها وعما أسدوه لها من خدمات من أموال الشعب المغلوب على أمره، الذي صوت على البرلمانيين لمراقبة عمل الحكومة ومراقبة صرف الميزانيات حتى لا يتم نهبها لكن أصبح هو أكبر الناهبين.
الجمع بين التعويضات ليس مقتصرا على البرلمانيين ولكن قد نجده في كافة المؤسسات المنتخبة، حيث إن التعويضات التي يتلقاها برلماني قد يضيف لها تعويضات عن مهام في مكتب الجهة وغيرها من التعويضات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
بداية الإصلاح رعاية المال العام والحفاظ عليه، وقد عول الناخبون كثيرا على حزب العدالة والتنمية، الذي مارس الخداع السياسي في حملاته الانتخابية، كي يكون رحيما بالمال العام، غير أنه أصبح هو أكبر المستفيدين من الريع الانتخابي.
وأطلق الباحث السياسي والناشط الفيسبوكي عمر الشرقاوي حملة ضد الجمع بين التعويضات "تعدد_التعويضات_جريمة" و"تعدد_التقاعد_جريمة" و"السياسة_ماشي_تجارة"، وقد توسعت دائرة الاعتراض على الجمع بين التعويضات وتحويل السياسة إلى تجارة.
السياسة يمكن وصفها بالخدمة العمومية، قد تكون سببا في الترقي الاجتماعي لكن ليست سببا في الاغتناء والفحش في نهب الميزانية.