في اطار الزيارة الرسمية التي يقوم بها جلالة الملك محمد السادس لمدغشقر، أجرى جلالته حوارا حصريا مع مجموعة من وسائل الاعلام المالغاشية، نشرته اليوم السبت، وفي ما يلي ترجمة النص الكامل لهذا الحديث الصحفي المتميز:
سؤال: شكرا جلالة الملك على استقبالنا، أنتم في مدغشقر في اطار جولة بافريقيا، بماذا تلهمكم هذه الزيارات للدول الافريقية؟
جواب جلالة الملك: قبل كل شئ، أريد أن أحيي و أشيد باخواني الأفارقة و بقارتنا. كل زيارة لافريقيا هي بالنسبة لي مناسبة لاعادة ربط الصلة مع الشعوب الافريقية التي أكن لها الاعجاب و الاحترام، والتي تعلمني معنى الغنى الحقيقي، غنى القلب. المغرب و افريقيا يمثلان شيئا واحدا، فصلهما عن بعض سيكون اقتلاعا من الجذور و خطأ.
أثناء زياراتي لافريقيا، أو من خلال المشاريع التي أعطي انطلاقتها، لا يتعلق الأمر باعطاء دروس على الاطلاق، انني أقترح في الحقيقة اقتسام خبراتنا.
من الأكيد أن الرهانات التي يتعين رفعها في افريقيا كبيرة. لكن النساء و الرجال والأطفال الذين ألتقيهم في زياراتي يمنحونني القوة للاستمرار. كلهم يجعلونني فخورا كوني أفريقي، وكوني، كما وصفني فخامة رئيس الجمهورية، “ابن البلد”.
سؤال: عدتم للتو من أنتسيرابي، حيث حضرتم لمجموعة من الأنشطة، كما أنكم توجهتم للأماكن التي عاشت فيها العائلة الملكية، كيف مرت الزيارة؟
جواب جلالة الملك: زيارتي، هذا الأربعاء، كانت مؤثرة جدا. لقد عاش جدي مع العائلة الملكية سنتين بأنتسيرابي. وخلافا لما يتركه عادة المنفى، احتفظت عائلتي بذكرى طيبة عن هذه الاقامة الاجبارية، وحافظت على روابط قوية مع مدغشقر، و خصوصا مع أنتسيرابي.
لهذا السبب حرصت على زيارة المدينة و اطلاق مشاريع لفائدة ساكنتها، أرغب في انشاء مركز للتكوين المهني في الميدان السياحي و البناء و الأشغال العمومية، و تشييد مستشفى للأم و الطفل، سيضمن أيضا تكوينا للأطر الطبية.
في هذا الموضوع، أود أن أزيل كل لبس أو غموض: الاشاعات التي تدعي بأن هذه المشاريع، ستستفيد منها فقط الجالية المسلمة، خاطئة تماما، هذه المشاريع، بطبيعة الحال، موجهة لكل الساكنة.
ملك المغرب هو أمير المؤمنين، المؤمنون من كل الديانات. الشعب المالغاشي شعب منفتح، شعب بقلب طاهر نقي. وبلدي المغرب لا يقوم بأي نوع من التبشير الديني. و لا يبحث عن فرض الاسلام. وفي الدولة المغربية هناك اسلام معتدل ومتسامح.
لقد التقيت بإمام مسجد محمد الخامس بأنتسيرابي، الذي سبق له أن زار المغرب واستفاد من تكوين ب “معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات”، إنه مركز تتطلع أعداد متزايدة من المشاركين المنحدرين من بلدان مختلفة، لتحظى بفرصة الولوج إليه.
سؤال: كيف تعتزم جلالتكم الرقي بالشراكة بين المغرب ومدغشقر؟
جواب جلالة الملك: قبل هذا التوجه إلى أنتسيرابي ذي الحمولة الرمزية الخاصة، ترأست بأنتاناناريفو، مع فخامة الرئيس، مراسم التوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون: إنها تترجم إرادة الدولة المغربية في تقديم مساعدة قوية للحكومة الملغاشية وتحسين ظروف عيش ساكنتها، هذا هو الهدف من مشاريع تشييد بنيات تحتية اجتماعية و أخرى للتنمية الاقتصادية.
تتمتع مدغشقر بمؤهلات وموارد لا يمكن انكارها تضمن لها النجاح. والمغرب على استعداد لمواكبتها من خلال قطاعاته الوزارية ومقاولاته العمومية وقطاعه الخاص.
سوف أشجع خصوصا القطاع الخاص المغربي على الانخراط في مشاريع بمدغشقر، في إطار تعاون على قدم المساواة مع نظيره الملغاشي.
بالموازاة مع انعقاد مؤتمر باريس، سأقوم بزيارة إلى أبوجا. وسأحرص مع ذلك على أن يكون المغرب حاضرا بباريس، من خلال وفد هام يدعم المشاريع ذات الأولوية الخاصة بالبنيات التحتية بمدغشقر، كما سيشارك ممثلون عن الحكومة وكذا عن القطاع الخاص بفاعلية في أشغال المؤتمر.
وكما أحرص على ذلك في كل مكان، سواء بالمغرب أو الخارج، سأتابع شخصيا إنجاز مجموع هذه العمليات. سأعود إذن لمدغشقر.
سؤال: وماذا عن القارة الإفريقية، يا جلالة الملك؟
جواب جلالة الملك: إن نموذج التعاون، الذي نأمل في إرساءه هنا، مماثل لذلك الذي نعمل على تطويره في عدد من البلدان الإفريقية.
في الواقع، أتطلع لإقامة تعاون جنوب- جنوب قوي ومتضامن، بين عدد من بلدان القارة الإفريقية. وكما قلت في خطابي بأبيدجان، في فبراير 2014، “إفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في إفريقيا”. وفي إطار تعاون بدون عقد، يمكننا، جميعا، بناء المستقبل.
يتوفر المغرب على مشاريع في عدد من بلدان إفريقيا. نحن نحرص على أن نعطي ونتقاسم، بدون أي تعال أو غطرسة، ولا حس استعماري. وأحث المقاولات المغربية على اللجوء إلى مكاتب الدراسات واليد العاملة في عين المكان.
ومن أجل تجسيد هذا النموذج للتعاون بين الدول الافريقية، بشكل ملموس، أحرص على التنقل باستمرار داخل القارة، هذه القارة التي أرتاح بها، وأقدر بشكل خاص مظاهر اللطف و العطف التي يعبر عنها السكان اتجاهي.
أحمل في قلبي على الدوام فخرا متزايدا بكوني إفريقي. كما أشعر بتعلق قوي اتجاه هذه القارة.
سؤال: هل يندرج كل هذا في إطار عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي ؟
جواب جلالة الملك: أعلم أن الحضور المغربي في إفريقيا، وبشكل خاص الجولة التي أقوم بها حاليا، لا تروق للبعض. ولكن، الكل يعترف بأننا لم ننتظر الإعلان عن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي من أجل العمل والاستثمار في إفريقيا.
جميع الدول، سواء تعلق الأمر بالأصدقاء القدامى أو الأصدقاء الجدد، لاسيما في شرق إفريقيا، أجمعوا على دعم المغرب في عودته الى الاتحاد الإفريقي.
لقد اتخذت مبادرة القيام بهذه الزيارات، دون شروط مسبقة. و أنا سعيد بكل ردود الأفعال المؤيدة والمرحبة والإيجابية التي عبرت عنها البلدان المضيفة. وأتوجه لهم بكل الشكر والعرفان.
ترجمة: شادي عبد الحميد الحجوجي