كثر في الآونة الآخرة "فقهاء" الدستور الذين يقومون بتأويلات تعسفية للدستور، الذي هو أسمى وثيقة بالمغرب، بمعنى ترقى لمستوى القداسة إلى أن يتم نسخها بوثيقة أخرى، وكل هذه التأويلات تتعلق بما بعد فشل بنكيران في تشكيل حكومته، لكن كل التأويلات تعسفت على النص قبل أي شيء آخر بل وبنت أحكامها على انطباعات.
التأويل هو الحفر في النص للبحث عن المعنى الخفي، وفي الدستور هو البحث عن الحكم الخفي للنازلة. فما هي النازلة إذن؟ قبل أن يشرع الفقهاء، الذين تعلموا الدستورانية في خمسة أيام في التأويل عليهم أن يعرفوا قواعد ووفق أي أسس تنبني وما هو منهج التأويل، وفي غياب المنهج لا يمكن أن ننتج سوى أحكاما تعسفية، وفي مدى القرآن الكريم أنتجت التأويلات دون منهج أو بمنهج حصري ضيق حركات التكفير التي تنشر القتل.
إن أي تأويل خارج السياقات يضر بالعملية الديمقراطية، التي يؤطرها الدستور، وسيضر بعدها بالدستور نفسه، مثلما أضرت أحكام فقهاء التيه بالقرآن الكريم وسمعته لدى الشعوب غير المسلمة.
لا توجد أصلا نازلة يمكن البحث لها عن مخارج من الفقه الدستوري عبر تأويل النصوص، ولا يمكن الشروع في التأويل قبل وقوع النازلة. لأن التأويل في غياب النازلة مبني على افتراضات وليس على معطيات.
ينبغي انتظار استفراغ الجهد من قبل عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية ورئيس الحكومة المعين، في البحث عن أغلبية، وبعد أن يضع "المفاتيح لصاحبها"، على حد تعبيره غير المهذب، آنذاك نبحث في النازلة، ونعرف أولا لماذا فشل وكيف فشل ومن تسبب في ذلك، وهذه كلها قواعد أساسية للبحث عن حكم للنازلة.
الذين قاموا بالتأويلات الدستورية تعاملوا مع تشكيل الحكومة على أنها شأن خالص لرئيسها المكلف، ونسوا أن هناك مؤسسات أخرى مرتبطة بهذه العملية، وعلى رأسها المؤسسة الملكية، بحكم أن الملك يمتلك سلطة التعيين في الوقت الذي يمتلك بنكيران فقط سلطة الاقتراح.
المؤسسة التي تمتلك سلطة التعيين شريك أساسي في صناعة الحكومة وإخراجها للوجود. هذه المؤسسة لم تبعث إشارات في اتجاه من الاتجاهات، بل بالعكس كان الملك صارما خلال خطاب المسيرة، الذي ألقاه من دكار عاصمة السينغال، مصرا على ضرورة الابتعاد عن الحسابات العددية في تشكيل الحكومة بحثا عن الكفاءات.
والخطاب إشارة قوية إلى أن المؤسسة الملكية متشبتة بالمنهجية الديمقراطية، أي الاعتماد على النصوص القطعية للدستور، الذي ينص في فصله السابع والأربعين على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي يفوز بالرتبة الأولى.
فالذين تعسفوا في التأويل ذهبوا إلى إمكانية منح رئاسة الحكومة لشخص من الحزب الثاني، وقد خرج إلياس العماري أمين عام البام ليقول إنه غير معني بهذا الأمر. هؤلاء المتعسفة لم يتمسكوا بالنص القطعي قبل المرور إلى التأويل لأن فشل بنكيران في تشكيل الحكومة لا يعني فشل البيجيدي الذي يمكن أن يخرج منه رئيس حكومة جديد. التأويل يبدأ بعد فشل العدالة والتنمية برمته في تشكيل الحكومة فهل سيتعلم "فقهاء" الدستور.