لم يكن الكاتب والاعلامي السويسري جورج فوشي، الذي كان الاجنبي الوحيد الذي فتح له الملك الراحل أرشيف دراسته، يعرف أن اهتمامه بالمغرب سيقوده مباشرة للقاء بالحسن الثاني الذي دعاه أولا للقيام بجولة بمناطق المغرب للتعرف عن قرب على وضعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي قبل أن يخصه بإفران في شنبر 1962، أي بعد تولي الحسن الثاني للعرش بسنة واحدة، بحوار مطول سيضمه كتابه بعنوان "تحت ظلال أرز إفران"، تحدث الحسن الثاني في جزئه الاخير عن مشروع خلق اتحاد افريقي وعن رؤيته المستقبلية للقارة الافريقية و خطته من أجل تحرر الدول الافريقية من تبعيتها للدول التي كانت تحتلها وعدم السقوط في شباط استعمار جديد يبسط نفوذه الاقتصادي والثقافي.
حملني البحث حول تربية الملك الحسن الثاني عندما كان وليا للعهد وحول حضوره إلى جانب والده محمد الخامس حدثني فيها الحسن الثاني طويلا في نهاية شتنبر 1961 عن البرنامج الغني حول التنمية الوطنية الذي يقوم به بمساعدة فريق وزاري نشيط.
دام الاستجواب ثلاث ساعات...قال لي الحسن الثاني لقد كنا قد اتفقنا على أن نتحدث اليوم عن افريقيا "لنتحدث إذن عن قضية الاتحاد الافريقي. وبهذا النظرة المتفائلة من أجل تعاون مثمر بين الدول الافريقية انتهى هذا الحوار الذي خصني به الحسن الثاني.
ومن أجل أن يحقق برنامجه المتعلق بالتنمية الوطنية والاتحاد الافريقي فالحسن الثاني يعتمد على مساعدة فريق وزاري نشيط، ولكنه هو الذي يقود الفريق ويوجهه وفي داخل هذا المناخ الصحي للجبل بإفران يطور الملك برنامجه.
تحدث عما قاله ابنه محمد السادس بعد 53 حول لون البشرة.
إن أحد أهم العناصر التي تساعد في النمو الحالي لدول إفريقيا هو أننا شعب بدون عقد فبالاضافة إلى غياب أي شعور بالنقص فنحن نملك قناعة قارة لها طاقتها الشخصية التي لعبت دورا حضاريا أساسيا في التاريخ، ولفتت اهتمام العالم هي تحاول تدريجيا الخروج من قيود الاستعمار.
وعلى المستوى الروحي، فإن لنا وزننا الكبير، ولا نشعر بأي نقص تجاه الطابع الاصيل والتلقائي الذي يتميز به فنان فلكلورنا.
وكتحد للعالم الغربي، فإننا نبعث إلى نيويورك فرقا موسيقية من غانا ونرسل للعواصم الاوربية فرقا للغناء والرقص من مالي، ونجعل فرقنا الرياضية تواجه أحسن الفرق المصنفة عالميا.
لنا قناعة بأن لون البشرة السوداء لا يمثل أي شعور بالدونية خلافا لما يعتقده مثلا السود في جنوب الولايات المتحدة الامريكية.
لقد حاول الاستعمار الجديد أن يخلق في بعض بلدان إفريقيا نوعا من التضامن الزنوجي وهذا خطر لذلك على الاتحاد الافريقي ألا يرتكز على لون البشرة بل على عناصر أكثر أهمية.
وعلى المستوى الطبي فإن دول شمال إفريقيا سارت في هذا المجال على خطى التقاليد الموروثة من ابن سينا وبن رشد وكذلك من الاطباء الاوربيين.
أما الافارقة السود، فإن لهم تصورا مغايرا إذ لهم طب خاص بهم وأحيانا يحصلون عل شفاء لا يستطيع العلم أن يجد له تفسيرا لكن نتائجه ملموسة على أرض الواقع ربما لكون بعض الظواهر العضو نفيسة وكذلك بعض عادات الحياة اليومية قد يكون لها تأثير عميق على تحقيق التوازن داخل الجسم البشري.
وقد سبق لي أن طرحت حول ذلك سؤالا على "كنامي نكريماه"، وهذا فعلا شيء يحتاج للتوضيح والاهتمام فربما توجد في الطب الأسود عناصر لها قميتها العلمية تجهلها الطب وربما يتجاهلها، أما على المستوى الادبي فهناك إبداعات غير مكتوبة يمكن أن تعبر عن روح الشعوب لكونها تعبر عن جميع حالاتها شفاهيا، ففي المغرب لدينا أدب أمازيغي يحمل طابعا شفاهيا كما هو الامر بالنسبة للعديد من القبائل في افريقيا السوداء.
الملك يتحدث عن الاتحاد الافريقي قبل 54 سنة.
الاتحاد الافريقي هو الهدف الذي ينبغي الاشتغال عليه حتى ولو أننا لن تمكن من تحقيق ذلك في مراحل متقاربة، ينبغي أولا أن نكون مجموعات افريقية، فاستقلال الدول الافريقية مازال فتيا وعملية تحريرها لم تنته بعد، و أي قرارات غير مدروسة من أجل خلق اتحادها يمكن أن تؤدي إلى عكس ما نسعى إليه.
و إذا كان الاتحاد الافريقي غير ممكن على المستوى السياسي فإنه يمكن تحقيقه على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي كما أن تبادلنا الثقافي ينبغي أن يتطور.
الاتحاد الافريقي هو بناء يرتكز على أسس مشتركة ومتكاملة، وعلينا أن نخلق روابط في المجال الاقتصادي المالي التجاري و أيضا داخل الحياة الثقافية والفنية.
والعمل على تطوير هذا التبادل والعلاقات بين البلدان الافريقية في جميع المجالات سيكون بمثابة الحجر الاساس نحو تحقيق اتحادنا الافريقي السياسي.