لم نختر عنوان هذه الافتتاحية ولكن أخذناه كما ورد من موقع العدالة والتنمية، وتحدث عن صمود بنكيران في وجه التحكم والبلوكاج، بعد أن أزاح الزعيم الإسلامي من قاموسه التماسيح والعفاريت، واعتبر المقال أن بنكيران صمد في وجه الابتزاز الذي مارسه ضده عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، وأن كل المحاولات لزحزحة رئيس الحكومة المعين من موقعه فشلت.
دعنا نتحدث نحن أيضا عن هذا الصمود الأسطوري لزعيم العدالة والتنمية. وهل يتعلق الأمر بصمود أم باختلاق أزمة يعلم الله الغرض من ورائها؟
الصمود يعني أن هناك عواصف تضرب وأنت واقف وسطها مثل الجبل. أما ما وقع في بلادنا فلا نرى أنه عاصفة ولا زوابع، وإنما اختلاق مكشوف للأزمة التي لا لزوم لها بتاتا، إذ إن جلالة الملك وفي احترام تام لقواعد الدستور والفصل 47 منه عين عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية، الفائز بالرتبة الأولى في الانتخابات رئيسا للحكومة، وكان بإمكانه اختيار شخص آخر من الحزب ذاته، ولكن نعتقد أن الرؤية الملكية تتجه نحو تعيين رقم واحد في الحزب الفائز مادام مناضلوه اختاروه أمينا عاما.
ولا يمكن لأي حزب أن يفرض على الملك ألا يعين رجلا آخر لأن ذلك يقتضي تعديلا دستوريا ينص على أن رقم واحد في الحزب هو الذي ينبغي تعيينه رئيسا للحكومة، لكن المؤسسة الملكية تؤسس لأعراف ديمقراطية بينما الأحزاب لم تتجاوز مراحلها التاريخية ولا تساهم في تركيز أعراف ديمقراطية داخل الحياة السياسية.
ما معنى صمود بنكيران؟
بنكيران لم يبدأ المفاوضات ولم يتعرض لضغوطات من مؤسسات الدولة، وإنما عجز عن إيجاد منهجية لتشكيل الأغلبية الحكومية، التي تفرز الحكومة.
أزمة بنكيران أزمة مفاهيم ومنهاج. لأنه لا يمكن ممارسة العمل دون تدقيق للمفاهيم ودون اختيار منهاج للعمل أي أداة. بأي منهجية يتواصل بنكيران مع الأحزاب السياسية التي يأمل أن تشاركه الحكومة؟ وفق أية رؤية؟
قبل أن يفصح بنكيران عن منهج عمله لا يحق له الحديث عن الأزمة والبلوكاج وعن الصمود. ولكن من خلال الممارسة العملية نكتشف طريقة بنكيران في تدبير "المفاوضات". الرجل يجلس في منزله بحي الليمون ويطلق الكتائب من أجل انتقاد حزب يعتبره خصمه، ويعول عليه في تشكيل الحكومة.
من الخطإ أن نراهن على أن بنكيران سيستغني عن التجمع، ليس لسواد عيون رئيسه ولكن لأنه يعتبره رافعة للباطرونا، ولا يمكن للحكومة أن تسير دون رجال الأعمال والصناعة وحتى ينهي بنكيران الخصومة مع هذه الجهة.
بنكيران يدعي الصمود في وجه المناورات. لا توجد سياسة دون مناورات ومن حق الأحزاب السياسية أن تدخل للحكومة بشروط متفاوض عليها. وإذا كان بنكيران يزعم الصمود فمن دفعه إليه؟ ما على رئيس الحكومة المعين سوى الاستغناء عن التجمع وتكوين تحالف مع حزب الاستقلال، ولن نسمع لا التحكم ولا البلوكاج.