اختلفت قراءات أغلب المعلقين المغاربة في معرض تقييم ما يجري اليوم في المنطقة العربية، مع أحداث "الربيع العربي"، بين حديث أقلام التيار اليساري العلماني عن "ربيع إسلامي"، بات يُهدد العديد من المكتسبات المجتمعية، في حالة مرور نسائمه على المغرب (نموذج مقالات رأي تصدر في يومية "الأحداث المغربية")، وبين إصرار بعض الأقلام الإسلامية الحركية، على التقزيم من فزاعة الإسلاميين، تلك التي تُهدد آفاق ما بعد انتخابات 25 نونبر القادمة بالمغرب (نموج مقالات يومية "التجديد").
بالاطلاع على ثنايا مقالات الرأي الصادرة في المنطقة العربية، نتجه يقينا نحو شبه إجماع بخصوص وصف تطورات اللحظة بأنها لا تخرج عن "ربيع إسلامي حركي" صرف، بالصيغة التي تُجسدها تطورات الساحة في مصر وليبيا وتونس. (ونحسبُ من وجهة نظرنا، أننا نعيش زمن "الربيع السلفي الوهابي"، ونتحدث عن سلفية وهابية صاعدة في مصر وتونس وليبيا والمغرب بالطبع).
إصرار بعض الإسلاميين المغاربة على التقليل من فزاعة الإسلاميين، من باب عدم إثارة حساسيات أهم صانعي القرار (بعد تأكيد تسريبات موقع "ويكيليكس، لنفور الملك محمد السادس ونفور المؤثرين في صناعة القرار، من طبيعة المشاريع الإسلامية الحركية)، يسقط في أبسط الامتحانات الميدانية التي تظهر بين الفينة والأخرى.
ومن يريد أن يبحث عن إجابات شافية لأسباب نفور صانعي القرار من المشروع الإسلامي الحركي، في نسخته المغربية، مطلوب منه، الاطلاع على ثنايا أعمال الراحل فريد الأنصاري، وتحديدا الدراسات التي تندرج في إطار النقد الذاتي لأداء الحركات الإسلامية: "البيان الدعوي" و"الأخطاء الستة للحركات الإسلامية بالمغرب"، و"الفِطرية".
"التزوير أم الإسلاميون؟ الخيارات المتاحة للدولة في أفق 25 نونبر"، هو عنوان مقال رأي لباحث إسلامي حركي، يشتغل في مركز للدراسات تابع لحركة "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية"، ودون الاطلاع على ثنايا المقال، يتبين، مدى تغلغل عقلية "اليقين" بخصوص مآل الانتخابات التشريعية القادمة. (نشر المقال في موقع "هسبرس" الإلكتروني، يوم الخميس الماضي، دونما أي إشارة إلى الانتماء التنظيمي للكاتب، والذي اختتم دراسته بنبرة تهديدية مُبطنة: "هل سيتجه المغرب في مسار معاكس لمسار تونس: 1. ثورة، 2. انتخابات، 3. دستور جديد، ليقوم المغرب بـ: 1. دستور جديد، 2. انتخابات،3. ثورة؟").
ثمة نموذج آخر من الامتحانات التي تنسف طبيعة الخطاب الإسلامي المعتدل الذي تَدّعي العديد من الأقلام الإسلامية الحركية الترويج له، ويتعلق بنتائج استطلاع رأي أنجزه معهد أمريكي للدراسات، "تنبأ" بفوز حزب يميني بالرتبة الأولى في الاستحقاق التشريعي القادم، وبالتالي فشل الحزب الإسلامي (العدالة والتنمية) في الظفر بالرتبة الأولى، ومباشرة بعد صدور القصاصة الإخبارية، سارعت العديد من الأقلام إياها لدحض مقدمات الحديث عن هذا الفشل، بل إن أحد هذه الأقلام، من الذين تعودوا على الدفاع عن كل صغيرة وكبيرة تصدر عن الأمين العام للحزب الإسلامي ــ حَرّر مقالان مطولان، من أجل سحب البساط عن نتائج استطلاع الرأي إياه.
يروق لأقلام حزب "العدالة والتنمية" وحركة "التوحيد والإصلاح"، عقد مقارنات "وجيهة" بين الحزب و"نظيره" في الحالة التركية، مع أن المتتبع الفطن لأداء الحزبين، يصطدم بتناقضات، تدفع المتتبع "الموضوعي" الجزم بعدم استقامة عقد مثل هذه المقارنات، وهذا برأي، الباحث إدريس بووانو أبرز باحث إسلامي متخصص في تتبع مسار حزب "العدالة والتنمية" التركي، والأهم، أنه عضو في شبيبة "العدالة والتنمية".
بل إن المقارنة لا تستقيم حتى بين "العدالة والتنمية" المغربي ونظيره التونسي (حزب "النهضة")، فالأحرى التفكير في المقارنة مع نظيره التركي، لاعتبارات عدة، أهمها طبيعة الأنظمة السياسية المعنية بعقد المقارنة، طبيعة السياقات التاريخية المؤسسة لأداء الأنظمة والأحزاب السياسية والحركات الإسلامية في تركيا والمغرب، ويكفي تأمل تعامل المنابر الإسلامية الحركية، (خصوصا يومية "التجديد" وموقع جماعة "العدل والإحسان")، مع التصريحات الصادمة التي صدرت عن رجب طيب أوردوغان، أثناء زيارته الأخيرة لمصر، وتحديدا أثناء استضافته من طرف المذيعة منى الشاذلي في برنامج "العاشرة مساء"، عندما صَرّح بالحرف: "أنا مؤمن بأن المصريين سيقيمون موضوع الديمقراطية بشكل جيد، وسوف يرون أن الدول العلمانية لا تعني اللادينية، وإنما تعني احترام كل الأديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينه".
ولنا أن نتصور طبيعة ومرجعية مؤسسة إمارة المؤمنين في الحالة المغربية، من باب تغذية المؤشرات الميدانية التي تُزكي عدم استقامة الحديث عن "مد إسلامي" حركي، أو "اكتساح إسلامي" في الانتخابات التشريعية القادمة.
النظام المغربي ليس نظام الرئيس التونسي السابق، ولا نظام الرئيس المصري السابق، وكما أكدنا في أكثر من مقام ومناسبة، نظام يُجسد مثالا بارزا في تدبير العلاقة مع مختلف التيارات الإسلامية الحركية، وامتدت مع نموذج "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية"، إلى ما يُشبه "حُسن الترويض"، بشهادة أهل "العدالة والتنمية"، ويبقى أمامنا فقط مأزق تسوية ملف التيارات السلفية (العلمية و"الجهادية")، من باب تقوية الاستثناء المغربي الميداني في التعامل مع الحركات والأحزاب الإسلامية.
(حًررت هذه الكلمات قبل صدور العدد الأخير من فصلية "فورين بوليسي" الأمريكية، وتضمن قراءة استطلاعية في أداء الإسلاميين المغاربة (وتحديدا حزب "العدالة والتنمية")، حيث اعتبرت أنه "من الخطإ أن يتعامل الغرب مع الإسلاميين في الدول العربية (الجزائر، تونس، ليبيا، مصر) تأسيسا على سياسة واحدة"، ومضيفة أو مزكية ما أشرنا إليها منذ زمن والآن أيضا، من أن "النموذج المغربي في التعامل مع الحركات الإسلامية المعتدلة، يليق الاحتذاء به في دول عربية أخرى".
المصدر: منتصر حمادة