لأول مرة في تاريخ المغرب السياسي يستعمل الفرقاء الإعلام الرقمي والورقي في "المشاورات" السياسية المتعلقة بتشكيل الحكومة، وبدل أن يتكلف عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية ورئيس الحكومة، بتشكيل الأغلبية التي تفرز الحكومة تكلف بالرد على تصريحات السياسيين من هنا وهناك، وكلما خرج زعيم سياسي بحوار كان لبنكيران نصيب من الرد عليه.
بنكيران لا يريد أن يفهم أنه منذ لحظة تعيينه رئيسا للحكومة أصبح رئيسا لحكومة عموم المغاربة وليس رئيسا لحكومة العدالة والتنمية أو الأحزاب التي دخلت دار بنكيران ومن "دخل دار بنكيران فهو آمن" ومن خرج منها تناله عواصف النقد والتجريح والتخوين.
يشكو بنكيران من "البلوكاج" ومن عرقلة تشكيل الحكومة المقبلة، ويشكو من سياسيين يقفون أمام تكوين أغلبية، وتقوم الكتائب والطبالجية بحرب ضروس ضد الأحزاب السياسية، التي تريد المشاركة في الحكومة وفق رؤية مختلفة، بينما انخرطت مجموعة من الأحزاب في الدفاع عن وجهة نظر بنكيران طمعا في مناصب وزارية فقط.
الحكومة المقبلة ليست حكومة اقتسام الغنيمة، كما أشار إلى ذلك جلالة الملك محمد السادس في خطاب المسيرة الذي ألقاه من دكار، ولكنها حكومة البرنامج الواضح والكفاءات الوزارية، التي تعمل وفق مخطط واضح ووفق تصور لما يريده المغرب في الخمس سنوات المقبلة وما بعدها، أي حكومة تعمل وفق منطق المردودية عبر استراتيجية برنامجية تراعي تصورات المغرب للتغيرات الدولية والإقليمية وتوجهاته الإفريقية.
هذا التصور غير حاضر لدى رئيس الحكومة المعين وهو يبحث عن أغلبية. نتصور بنكيران هو ذاك الشخص الذي يرابط ببيته ينتظر الدخول الآمن للأحزاب السياسية، ويخرج بين الفينة والأخرى ليقول إن هناك جهة تعرقل تشكيل الحكومة ويوزع النعوت على الأحزاب السياسية وخصوصا حلفاءه في الحكومة السابقة.
المفروض في رئيس الحكومة أن يوفر المناخ الملائم للمشاورات ثم المفاوضات، فلا هو بدأ المشاورات ولا هو سيدخل في المفاوضات إن بقي على هاته الحال. فالمشاورات تقتضي جلوسا دقيقا لشرح تصورات الحكومة، وما قام به في السابق من استقبال لزعماء الأحزاب السياسية التي حظيت بالتمثيلية في مجلس النواب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرقى إلى مستوى مشاورات، ويمكن وصفه بالاستمزاج.
بعد هذه "المشاورات" سكت بنكيران ولم يعد يستقبل أحدا منتظرا دخول الأحزاب إلى داره طالبة منه مشاركتها في الحكومة، ولكن لأن بعض الأحزاب لم تفعل فقد اعتبر بنكيران أنها تعرقل العمل الحكومي.
إن ما قام به رئيس التجمع الوطني للأحرار هو حق طبيعي. لكن المشكل لا يكمن هنا. ولكن يكمن في طريقة التواصل بين الأحزاب السياسية. فلو شرع بنكيران في المفاوضات لوجد مخارج كثيرة للوضع الحالي. نعم هناك أحزاب لها شروط فكان المنطق يفرض الدخول في المفاوضات وحينها ستتخلى بعض الأحزاب عن بعض شروطها مثلما يتخلى بنكيران عن بعض شروطه.
لكن رئيس الحكومة المعين اختار "غير ذات الشوكة" أي التحاور عبر الإعلام أو تبادل التهم مع شركائه المفترضين عبر وسائط لا تدخل في باب التفاوض السياسي.