يرتقب أن تتشكل الحكومة الجديدة خلال بضعة أيام، وذلك بعد مفاوضات جد عسيرة. لقد ذكر الخطاب الملكي من دكار أن التحديات تتجاوز تدبير رغبات حزبية وأن المغرب لديه تحديات جدية عليها رفعها، وهو ما يستحيل تحقيقه في غياب حكومة قوية وبرامج طموحة وحركة عمومية تعبوية.
لقد قام المغرب باختيارات طويلة المدى. والانفتاح على العالم واحد من هذه الخيارات. لكن العالم دخل في مرحلة مبهمة. فالخروج البريطاني من الاتحاد الاوروبي وصعود التيار المحافظ القومي يهدد بعودة السياسية الحمائية والاضطرابات على مستوى الأسواق العالمية.
لا يمكننا الاستهانة بهذا الخطر، لأنه سيؤثر على النمو العالمي، وبالتالي على أسواقنا التقليدية، وخصوصا الاتحاد الأوروبي، والتي قامت فعلا بمراجعة توقعاتها باتجاه الانخفاض. يجب استباق هذه الظواهر والسعي أكثر إلى تنويع شراكاتنا بغية تقليص تأثير هذه التراجعات التي تعد دليلا على وجود خلل في مواجهة عولمة لا حدود لها.
وفي هذا السياق، فإن السياسة الإفريقية للمغرب تبرهن عن أهميتها. فالتعاون جنوب- جنوب سيسمح للقارة السمراء بكسر تبعيتها والحد منها تجاه الاقتصادات المتقدمة والتي يصعب عليها توفير فرص للنمو. والحكومة المستقبلية يجب أن تتحمل مسؤولية تطوير الشراكات ومصاحبة القطاع الخاص، وإصدار التشريعات بسرعة عند الاقتضاء.
إن التحديات الداخلية لا تقل أهمية. فالتربية الوطنية بلغت درجة الغليان. فمقابل ثانويات مكتظة هناك أخرى أقفلت أبوابها. هناك مدرسون مُضربون ويحتجون رافضين عقودا رغم أنهم وقعوا عليها. كما أن مرسوم تنظيم المدارس الكبرى الجديدة تم ألغاؤه، مما يجعل هذه المؤسسات في وضع البطالة. وكل هذا يعني أن الإصلاح الحقيقي للتعليم، الورش المفتوح منذ عشرات السنين، ، هو التحدي الرئيسي للمجلس التشريعي الجديد.
إن تباطؤ النموذج الاقتصادي أمر واقع. ولا أحد يستطيع القول إن وضع نموذج بديل سيكون أمرا سهلا. لكنه يبقى ضروريا إذا أردنا إنعاش النمو وخلق الثروات وبالتالي فرص العمل.
وهذه التحديات تؤطر تحديات أخرى، أي محاربة الهشاشة والفساد، وتحسين جودة الخدمات العمومية، وحماية البيئة، وتطوير الثقافة وغيرها من الأهداف.
خلال الحملة الانتخابية، لم تكن برامج الأحزاب السياسية في قلب النقاشات. بل إنها كانت متشابهة جدا في أهدافها، وأيضا في الأساليب المقترحة.
لقد أجريت الانتخابات، ونتائجها تفرض نفسها كما هو الحال في أي نظام ديمقراطي.
ولكن اللعبة السياسية لا يمكنها تجاوز القضايا والتحديات الوطنية. وهذا هو معنى الخطاب الملكي، الذي أشادت به جميع الأحزاب، بما فيها حزب العدالة والتنمية. لقد حان الوقت لإدراك ذلك ووضع الأولويات الوطنية فوق كل الحسابات الحزبية.
هذا التوجه، وعبر تعزيز التماسك الاجتماعي، وتطوير الجاذبية الشهيرة للمغرب، سيكون مكسبا عظيما في مواجهة السياق الدولي وأوضاعه الملتبسة.
المغرب ليست جزيرة معزولة، وما يجري في منطقة الساحل، وأوروبا، والشرق الأوسط وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية، يصلنا تأثيره بدرجات متفاوتة.
إن محاربة الإرهاب ستتطلب سنوات أخرى. وآثاره، بما فيها العودة إلى السياسة الحمائية، تتبدى أكثر فأكثر. ولذلك فإن سياساتنا، يجب، بالإضافة إلى الترافع الإيديولوجي، أن ترتقي إلى مستوى رؤية استراتيجية تحافظ على مصالحنا، ولكن أيضا خياراتنا الحضارية. وفي مواجهة هذه التحديات، فإن عدد من المناصب، وهوية الوزراء، تظل أمورا هامشية، لأن البرنامج الحكومي هو الأساس.