التوجيه الذي أصدرته الإدارة المركزية لحزب العدالة والتنمية لكبح جماح الكتائب الإلكترونية للحزب، مر مرور الكرام، واعتبره كثير من "المحللين" محاولة من بنكيران للتخلص من أعضاء حزبه الذين تمردوا على قيادة الحزب، ولم يتساءل "المحللون" عن السر وراء ذلك خصوصا وأن الحزب وظف عشرات من أعضاء حزبه برواتب شهرية ووفق قانون التشغيل يعملون موظفين محسوبين على الحزب لكن دورهم هو أن يكونوا جنودا مجندين لمحاربة كل من سولت له نفسه انتقاد حزب العدالة والتنمية.
ليس بين بنكيران وكتائبه خلاف، ولكن لأن مستوى ما أصبحت تقوم به من أدوار تجاوز الحدود المعمول بها من قبل الأحزاب السياسية، التي خولها الدستور صلاحيات تأطير المواطنين، ومنحها الأموال الباهظة من جيوب دافعي الضرائب، قصد احتواء التعبيرات الشعبية حتى يستمر كل تعبير واحتجاج سلميا ويصب في القنوات القانونية ويتم تصريفه وفق الأطر المعمول بها، لأن مستواها وصل إلى حد قد يهدد الاستقرار، في مرحلة لا يرى فيها الحزب داعيا لذلك صدر التوجيه.
توجيه الإدارة المركزية لم يلغ عمل الكتائب الإلكترونية إنما أعاد "القائد العام للكتائب" إعادة الانتشار وفق شروط المعركة الجديدة، لأن الحزب الإسلامي يعتبر نفسه في حرب دائمة مع خصوم حتى لو لم يوجدوا لخلقهم من نفسه، لأنه لا يستطيع العيش دون وجود عدو، ولا يعترف الحزب بخصومة سياسية ولا بخلاف سياسي وإنما هي معركة من أجل التمكين.
الكتائب الإلكترونية مثلها مثل أفعى صغيرة، قام بتربيتها بنكيران ورعاها وأرضعها من حليب المال العمومي الذي يحصل عليه من دعم الدولة، وكبرت ونمت وترعرعت واشتد عودها، لكن الأفعى قد تؤذي صاحبها إما تمردت أو إما من حيث لا تدري.
لا نعتقد أن حزب العدالة والتنمية يفكر في شيء اسمه استقرار الوطن، ولكن يفكر في التمكين لمشروعه التاريخي، وعبر كافة الوسائل بما فيها الحكومة، وعندما استشعر خطورة الكتائب ليس خوفا على الاستقرار ولكن خوفا على مشروعه، ولهذا أعاد انتشار جنوده حتى يحتلوا المواقع المرسومة لهم من قبل القيادة العامة، التي لها وحدها صلاحيات تحديد الاستراتيجيات الحربية.
للأسف الشديد فالحزب الذي تتبعه الكتائب هو الحزب الذي قاد الحكومة لمدة خمس سنوات وهو الحزب الذي يعتبر أمينه العام (القائد العام للكتائب) رئيسا معينا للحكومة، وهو الحزب الذي ينبغي أن يكون قائدا لقافلة الاستقرار ومصرا على الأمن والأمان.
من خلال تتبع قادة الكتائب المعروفين يتبين أن الحزب لا يولي أي اعتبار لاستقرار البلاد. فكل المجهودات التي تقوم بها المؤسسات بمختلف تجلياتها قصد الحفاظ على الأمن والأمان تقوم الكتائب بضربها في الصفر من خلال كتابات تحرض على الفوضى والفتنة وزعزعة الاستقرار.
والغريب أن الكتائب تستغل قرارات تتخذها الحكومة، التي يقودها القائد العام للكتائب، من أجل توتير الأوضاع وخلق البلبلة وخلط الأوراق.