منذ طلب إعادة بلاده إلى عضوية الاتحاد الإفريقي، بعد أكثر من ثلاثين عاما من المقاطعة الطوعية، يسابق العاهل المغربي الملك محمد السادس الزمن في جولاته في القارة السمراء وكأنه يخشى أن يلحق به أحد.
في الحقيقة يسعى الملك لملء فراغ تركته الجزائر في الملعب الإفريقي، ويخشى أن تتداركه.
قبل ثلاثة أسابيع زار الملك ثلاثة بلدان مصنفة خارج مدار الحاضر والماضي المغربيين (لم تكن مستعمرات فرنسية) ويمكن وصفها بالمفتاحية في القارة الإفريقية: أثيوبيا، التي تقدم نفسها القوة التاريخية والاستراتيجية أمام كل ما هو دخيل عن إفريقيا. تنزانيا، قلب إفريقيا الذي ينبض في صمت محافظا على مكوناتها الإفريقية والإسلامية. رواندا، التي تنهض اقتصاديا واجتماعيا بعد حروب أهلية أتت على الأخضر واليابس.
تبدو زيارة هذه البلدان الثلاثة محسوبة جيدا. فهي استهدفت دولاً خارج المدار التقليدي للدبلوماسية المغربية، وفي الوقت ذاته خارج دائرة إغراءات وتأثير الدبلوماسية الجزائرية.
أعقبت تلك الزيارة إعلان الرباط اعتزامها العودة إلى عضوية الاتحاد الإفريقي. ومن الحكمة الربط بين ذلك الإعلان وتلك الزيارات التي حظيت باهتمام إعلامي ودبلوماسي كبير.
ثم جاء دور السينغال. سبق للرجل أن زار السينغال، وبين البلدين علاقات سياسية واقتصادية وثيقة، لكن مساء الأحد 6 من الشهر الجاري كان مختلفا وسيدخل التاريخ. في ذلك اليوم احتفل الرجل بالذكرى الحادية والأربعين لـ»المسيرة الخضراء» التي نظمها والده باتجاه الصحراء الغربية، وألقى خطابا جلب اهتمام دول المنطقة.
الخطوة جريئة جدا من ملك المغرب ومن الحكومة السينغالية. وتبدو كأنها قفز على بعض الأعراف الدبلوماسية والسياسية، لأن الحكومة السنغالية، بهذه المناسبة، تعلن ولاءها وموقفها بوضوح شديد. هذا الموقف الواضح سيترتب عنه ثمن، كأن تخسر السينغال الجزائر وكتلة الدول الإفريقية المؤيدة لها في القارة.
إلى حد الآن تبدو الدبلوماسية المغربية، من حيث المظهر على الأٌقل، أكثر حضوراً في إفريقيا من نظيرتها الجزائرية. ليس أدل على ذلك من ملك شاب وحيوي لا يتوقف عن السفر والحركة بحثا عن مصالح بلاده، مقابل صورة أخرى تأتي من الجزائر ـ تختلف تماما ـ للرئيس بوتفليقة عاجزا عن الحركة والكلام.
حالة بوتفليقة الصحية تفسر جزءا من الصورة بشقيها، القادم من الرباط والقادم من الجزائر. الرجل ربط العلاقات الخارجية لبلاده وعملها الدبلوماسي بشخصه. وعندما توقف هو ساد الفراغ، لأن التصحر كان قد فعل فعله وثقافة «فخامة رئيس الجمهورية قال وفعل ووجَّه» أصبحت أمراً واقعا لا يجرؤ أحد على التمرد عليه.
أما التفسير الآخر فيمكن العثور عليه في ظروف موضوعية، منها أن الجزائر فقدت الكثير من أدوات التأثير الخارجي. فقدت أدوات التأثير المعنوي منذ لم تعد «قبلة الثوار» و»الحالمين بالحرية» بسبب ما أصابها داخليا في العشرين سنة الأخيرة، والتحولات التي أصابت العالم والمنطقة. وفقدت ادوات التأثير المادي والاقتصادي بسبب العثرات الاقتصادية والتنموية داخليا، وتراجع عائدات النفط وارتفاع متطلبات قرابة 40 مليون جزائري.
كذلك لم تعد الجزائر قبلة طلاب الجامعات الأفارقة، باستثناء أعداد محدودة، كما كانت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. أحد الأسباب أن أبناء الجزائر بالكاد يجدون مقاعد في جامعات بلادهم ومطاعمها وإقاماتها الداخلية.
ويمكن بسهولة ملاحظة أن الشركات الحكومية الجزائرية (الكبرى سابقا) لم تعد قادرة على التأثير وعلى العطاء. وليست قادرة على إغراء الأفارقة بشراكات وسلع ومنتجات.
في المقابل، يواجه القطاع الخاص صعوبات في تصدير منتجاته وخبراته ورؤوس أمواله بسبب منظومة قانونية ومالية غير مشجعة، فكانت المحصلة النهائية غياب الجزائر اقتصاديا من منطقة كانت مضمونة لها وبمثابة ملعبها التقليدي.
اليوم، وبالنظر إلى الموقف السينغالي يوم الأحد، يمكن انتظار أي شيء من أغلب الدول الإفريقية باستثناء بعضها كنيجيريا وجنوب إفريقيا والنيجر ومالي.
من المؤسف أن يتسابق البلدان الجاران اللذان يجمعهما أكثر مما يفرقهما للتحريض أحدهما على الآخر. ومن المؤسف أن يصدر البلدان نزاعاتهما إلى غيرهما بدل أن تكون مقاربتهما تجاه إفريقيا واحدة ويتحركا فيها كتلة واحدة قد تضاف إليها تونس.
برز التنافس بين البلدين في إفريقيا بعد أن غسلت دول النصف الشمالي من الكرة الأرضية أيديها من عنادهما ونزاعهما الأزلي ومن ملف الصحراء الغربية. هذه الدول محقة في الابتعاد عن صراع لا نهاية له، وفوق ذلك تراه عقيما مقارنة بالأخطار الأمنية والاستراتيجية التي يواجهها العالم ككل ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وفي مقدمتها خطر المجموعات الإرهابية المحسوبة على الإسلام والمسلمين.
وبرز النزاع في إفريقيا وأخذ هذا الشكل لأن تركيبتها السياسية والاجتماعية وبنياتها الاقتصادية تجعلها جاهزة لكي تكون مسرحا لصراع نفوذ بين دول قوية، أو دول لديها أدوات التأثير، وإن لم تكن مصنفة قوية، مثل الجزائر والمغرب.
توفيق رباحي القدس