من درس في ثانويات وجامعات الجمهورية الجزائرية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، خصوصا وأن الجهة الشرقية لم تكن تتوفر على جامعات آنذاك وكان الآباء يفضلون إرسال أبنائهم الى جامعة وهران التي تبعد عن وجدة بحوالي 240 كلم بدل إرسالهم إلى الرباط التي تبعد بما يقرب من 600 كلم، أو إلى جامعة فاس التي تبعد بحوالي 350 كلم؛ أي إن جامعة وهران هي الأقرب، يتذكر، بما لا يدع مجالا للشك، أن الجزائر هي التي كانت وراء تأسيس جبهة البوليساريو سنة 1973.
وكان ذلك عبر الاتصال بمن باع ضميره رخيصا في سوق النخاسة وخيانة الوطن، خصوصا إذا علمنا أن الجبهة لم تواكب الاحتلال الإسباني ولم تكن متواجدة إطلاقا في إقليم الصحراء حتى توصف بحركة تحرر وطني، وإنما نشأت في القطب الجزائري، بشهادتنا آنذاك كتلاميذ وطلاب بالجامعات، وبدعم مادي ومعنوي من الحكومة الجزائرية التي حباها الله بموارد نفطية خصصت جلها لدعم الجبهة لخلق كيان لها، وبذل المال لأداء مستحقات للمرتزقة والأبواق المأجورة، والاستمات من أجل الدفاع عنها في المحافل الدولية لبلوغ الهدف المنشود، ألا هو الاعتراف بها من طرف منظمة الوحدة الإفريقية والمنتظم الدولي، علما أن عملية سحب الاعتراف عرفت تزايدا ملحوظا، وأن الدعم المادي من طرف الجزائر لبعض الدويلات كان هو الدافع وراء الاعتراف بجمهورية وهمية لا تمثل شعبا أو دولة محتلة.
ولعل الحديث عن نشأة وتأسيس الحركة من طرف المحتضنة يدفعنا إلى الحديث عن الجهاز المؤسس الذي يتكون من مواطنين مغاربة، على رأسهم المؤسس الأول الولي مصطفى الذي ولد ببئر لحلو شمال الصحراء المغربية، وترعرع في مدينة طانطان، وتابع تعليمه بتارودانت، ثم حصل على الإجازة بكلية الحقوق بالرباط سنة 1970. أما خلفه محمد عبد العزيز، فقد ولد بمراكش، وترعرع بها، والتحق بالجامعة بالرباط، ثم انضم إلى جبهة البوليساريو سنة 1975.
وبالتالي، كيف يعقل أن نعتبر استقطاب مغاربة إلى قطر مجاور وصنع كيان لا يمثل شعبا أو إقليما، حركة تحرر ونسخر له الأموال من أجل فرض وهم لا وجود له إلا في مخيلة من صنعه؟ بل وحتى إذا اعتبرنا الامتداد الجغرافي والجانب التاريخي والديموغرافي، فإنه من المستحيل فصل سيدي افني وطرفاية المسترجعتين منذ 1979 عن باقي الأقاليم الصحراوية.
ولعل قرار محكمة العدل الدولية الصادر سنة 1975، الذي أعقبه خطاب المغفور له الحسن الثاني الذي أعطى الانطلاقة للمسيرة الخضراء من أجل استرجاع المغرب لأراضيه، أقر بوجود روابط تاريخية وقانونية تشهد بولاء القبائل الصحراوية لسلاطين المغرب، وأن الجبهة التي أسستها الجزائر فوق ترابها سنة 1973 من طرف مواطنين مغاربة لم تكن تعرف الوجود أثناء الاحتلال الإسباني بالمغرب، هذا الاستعمار الذي احتل وادي الذهب سنة 1884 والساقية الحمراء سنة 1934، علما أن المغرب كان مستعمرا بطريقة منحت فرنسا وسط البلاد، ومنحت اسبانيا جنوب البلاد والشمال، وخضعت مدينة طنجة للحماية الدولية.
لذلك إذا كان التاريخ يفرض نفسه رغم الدور الريادي للجزائر وليبيا آنذاك في خلق جبهة البوليساريو ونحتها وجعلها تمثالا أمام المنتظم الدولي وكسب الدعم لها، فإن طمس الحقائق والتنكر للواقع، وما استتبع ذلك من خرق سافر لاتفاقية جنيف المؤرخة في 1951 والبروتوكول الملحق بها التي تخص إحصاء اللاجئين ومنحهم حرية التجول وإمكانية العيش الكريم، كما أن الوضعية الكارثية التي أذاقت بني الانسان شتى أنواع العذاب والتنكيل في مخيمات تندوف، لتجعلنا نطرح أكثر من سؤال حول نشأة الجبهة الوهمية فوق التراب الجزائري من طرف مستقطبين من المغرب بأجندة جزائرية وبمرتزقة متنوعي الجنسيات، وفي عملية لتزوير حقائق تاريخية ثابتة .