كما العادة، استغل أعداء المغرب حادث مقتل شاب، يعمل في مجال صيد السمك والتجارة به، في بلدة الحسيمة لشن حملة شعواء على المملكة وإثارة ضجة كبيرة، اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها مفتعلة. بدا من تلك الحملة كما لو ان الامر يتعلق بثورة شعبية ليست موجودة سوى في مخيّلة أعداء المغرب، الذين اغتاظوا من تجاوزه ما سمّي "الربيع العربي" بسلام وامان، بل كان فرصة لتكريس إصلاحات كبيرة توّجت بدستور العام 2011.
كان الجانب الايجابي في الحملة على المغرب انّها كشفت مدى الحقد على المملكة، خصوصا من أولئك الذين لا يعرفون شيئا عن البلد، علما ان حادثا مؤسفا من هذا النوع يمكن ان يقع في ايّ مكان في العالم، خصوصا في بلدان تشقّ طريقها نحو التطور وفرض دولة القانون في ظلّ حرص شديد على التزام حقوق كلّ شخص موجود في الأراضي المغربية... اكان مواطنا او مقيما وحتّى لاجئا.
تكمن المشكلة في انّ كثيرين يرفضون الاعتراف بالواقع المغربي ويصرّون على البقاء في اسر أفكار مسبقة لا تمت الى الحقيقة بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
كلّ ما في الامر انّ الشاب محسن فكري اعترض قبل ايّام على اتلاف اسماك، قد تكون غير صالحة للاستهلاك، حصل عليها من صيادين آخرين في فترة يحظر اصطياد هذا النوع من الأسماك حفاظا على الثروة السمكية.
هل كان مطلوبا من السلطات المختصة التغاضي عن المتاجرة باسماك قد تكون غير صالحة وعن الصيد في فترة محظور فيها ذلك، أي التغاضي عن مخالفتين صريحتين؟ قبل كلّ شيء، اصطيدت هذه الأسماك خارج الموسم، أي بما يخالف القانون، إضافة الى انّها قد لا تكون صالحة للاستهلاك...
لا يمكن في أي شكل تبرير مقتل انسان. لا يمكن التساهل تجاه أي اهمال حصل لكنّ ما لا بد من الإشارة اليه، استنادا الى الوقائع انّ ظروف الحادث كانت غامضة. وهذا استوجب اصدار الملك محمد السادس تعليمات باجراء تحقيق في العمق لكشف ظروف الحادث الأليم وارسل وزير الداخلية لتقديم التعزية بالشاب.
قتل الشاب في اثناء تصديه للسلطات المختصة التي استحضرت شاحنة للنفايات بغية اتلاف كمية السمك التي كان يريد المتاجرة بها. صعد الأخير الى الشاحنة لمنع عملية الاتلاف وذهب ضحية تشغيل المحرك الخاص باتلاف النفايات. كيف حصل ذلك؟ من ضغط على الزر الذي سمح بتشغيل المحرّك وبالتالي مقتل الشاب؟ المهمّ ان ذوي الفقيد تفهموا الامر ورفضوا الدخول في مزايدات، خصوصا بعد تحرّك القضاء المختص وتوجيه اتهامات الى ثمانية اشخاص اوقفوا في قضية مقتل محسن فكري.
في انتظار جلاء الحقيقة، ثمة ملاحظات يمكن ايرادها على هامش المأساة التي شهدتها الحسيمة حيث لعبت قوات الامن دورها المعهود في استيعاب غضب المواطنين وافهامهم ان القضية تحتاج الى تحقيق تظهر نتائجه الظروف التي أدت الى مقتل الشاب.
أولى الملاحظات انّ هناك من يتربّص بالمغرب. لم تكن الحملة بريئة باي شكل، اذ جرى تحريض على التظاهر عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام عبارات من نوع "اسحقوه". هل هناك من اعطى امرا بسحق الشاب اوّلا؟ لماذا عدم انتظار نتائج التحقيق الذي امر به الملك لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟
كان هناك من يتحيّن الفرصة للاساءة الى المغرب، كما لو ان هناك ثأرا قديما على كلّ النجاحات التي تحققت في بلد كبير لا يمتلك ثروات طبيعية كثيرة، بل يعمل جاهدا على تطوير نفسه بكل الوسائل المتاحة.
تتعلّق الملاحظة الثانية بالحسيمة نفسها التي تقع على المتوسط في ما يسمّى الريف المغربي. هناك بكل بساطة حملة مدروسة لاثارة اهل الريف مجددا في وقت تجاوز المغرب هذا النوع من الحساسيات، خصوصا في عهد محمد السادس الذي ركّز اوّل ما ركّز على تنمية تلك المنطقة التي لا بدّ من الاعتراف انّها تعرضت للاهمال في الماضي. ليس الاهتمام بالبنى التحتية في الريف سوى دليل على ذلك. يترافق تطوير البنى التحتية في كلّ منطقة الريف مع خلق فرص عمل والربط بين ضفتي المتوسط عبر ميناء "طنجة ـ ميد" الذي سيكون جسرا ليس بين المغرب واسبانيا فحسب، بل بين المغرب وأوروبا أيضا. هناك شركات أوروبية عدّة، من بينها "رينو" لديها مصانع في مناطق قريبة من الميناء الجديد في طنجة. ستستفيد هذه الشركات من اليد العاملة المغربية من جهة ومن قرب طنجة من اسبانيا من جهة أخرى.
امّا الملاحظة الثالثة، فهي مرتبطة بالجولة الافريقية للعاهل المغربي وهي تشمل للمرّة الاولى دولا في شرق القارة التي تقع فيها بلاده. ترافقت الجولة مع جهود جزائرية لعرقلة عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي، وهي جهود مكتوب لها الفشل في المدى الطويل، لكنّها جزء من الهجمة التي تستهدف المملكة على كلّ المستويات والتي تبدو الضجة التي أثيرت بعد الحادث المروّع الذي وقع الحسيمة احد مكوناتها.
ايّا يكن حجم الحملة على المغرب، فان الردّ عليها معروف. امكن استيعاب ما ترتب على حادث الحسيمة باللجوء الى القانون ولا شيء آخر غير القانون. اذا كان هناك مذنبون، سينال هؤلاء جزاؤهم. القافلة المغربية تسير ولا شيء ينجح مثل النجاح... امّا الاستعانة ببعض وسائل الاعلام الفرنسية والعربية ووسائل التواصل الاجتماعي، فهذه أساليب لا تؤدي الى أي نتيجة باستثناء كشف مدى الحقد على المغرب، أي على كل تجربة ناجحة في المنطقة العربية.
المؤسف ان من يقود هذه الحملة او من يشارك فيها لا يعرف شيئا عن المغرب ولا عن الذي يحصل فيه. الأكيد ان الحقد الاعمى على المغرب لن يسمح للحاقدين بتلميع صورتهم وإظهار انفسهم في مظهر المدافع عن حقوق الانسان باي شكل في بلد يحكمه القانون قبل ايّ شيء آخر.
ما لا يمكن تجاهله ان المغرب اعتاد على كلّ انواع الحملات التي تستهدفه والتي تصبّ في محاولة ضرب الاستقرار فيه. لا تفوت جبهة "بوليساريو"، وهي أداة جزائرية ليس الّا، مناسبة لاستغلال وسائل التواصل الاجتماعي لتصوير الوضع على غير ما هو عليه. ليست تلك الأداة الجزائرية الطرف الوحيد الذي يعمل ضد المغرب، هناك قوى خارجية مستاءة امّا من الاختراقات المغربية في افريقيا او من تجاوز قضية الصحراء، التي هي قضية مفتعلة أصلا.
مرّة أخرى، لا يمكن الا الحزن على ما يصيب أي انسان، لكنّ ما لا يمكن المرور عليه مرور الكرام ان حادث الحسيمة يؤكد ما يركّز عليه الملك محمد السادس بين وقت وآخر عن ضرورة اليقظة والبقاء على استعداد تام لمواجهة أولئك الذين لا يريدون الخير لبلد لم يقدم سوى الخير لجيرانه ولكل من ارتبط به بعلاقات تعاون.
خيرالله خيرالله