سهى العماري..نجلة أبي دائماً و أبداً.
كثيرا ما نتحدث عن القمع و السلطوية في الأنظمة الديكتاتورية، لكننا قليلا ما نسلط الضوء عن القمع الذي يمارسه بعض أشباه المناضلين الذين منحو لأنفسهم حقا لا يمتلكونه و أعطوا لأنفسهم إسما لا يستحقونه.
لا فرق بين القمع الذي قد تمارسه دولة بأجهزتها و أساليبها و القمع الذي قد يمارسه هؤلاء الأشخاص بأفعالهم و أقوالهم.
كنت اليوم، و أنا أمارس مهنتي الصحافية، ضحية لقمع لم تستعمل فيه عصي ولا مسدس وظيفي ، قمع لم تنزف على إثره قطرة دم ، قمع لم تسقط فيه روح بريئة. كنت اليوم ضحية قمع عذب و مزق و شتت و استشهد على إثره مفهوم النضال و عطر الإنسانية التي تفوح منه.
حزنت اليوم و أنا أغطي وقفة احتجاجية في ساحة الجمهورية بباريس من أجل المرحوم محسن فكري ، (حزنت) حينما أهانني الداعي إلى الكرامة و عنفني المطالب بحقوق الأنسان و قمعني المتطلع إلى حرية التعبير…
بكيت على روح النضال حينما تحول من يعتبر نفسه مقموعا إلى قامع، فأعجب بدوره هذا و ازداد تسلطا على فتاة جاءت لتوصل صوته و توثق لنضاله. من اتهموني اليوم ظلما و أصدروا ضدي حكما سريعا وحاولوا إجباري على مغادرة مكان عمومي هم نفس الأشخاص الذين ينددون بفساد القضاء و عدم توفر شروط المحاكمة العادلة، هم نفس الأشخاص الذين كانوا يتوددون إلى من سموه اليوم عميل الجلاد و الذي كان أيضا ضحية سنوات الرصاص و لكنه اختار المصالحة مع الماضي لبناء المستقبل. اتهموا فتاة تحمل اسمه و دمه بكل فخر و اعتزاز، و لأنها تحمل كذلك مبادئه و قوته و انسانيته، قاومت قامعيها و لم تواجههم بأساليبهم السلطوية ، بل اختارت الكتابة لعلها تفضح ما كانوا يسترون.
مات محسن فكري و أحيى معه روح المطالبين برفع الحكرة، و خرجنا نحن المغاربة إلى الشارع داخل و خارج المغرب ، حاملين في قلوبنا حب الوطن و حب الحياة، و لن نسمح أن تهان كرامتنا من أي كان، و بذلك أقول لهؤلاء المتطفلين على النضال،أن احتجاجنا يعنيهم و لن يشرفنا وجود أمثالهم في صفوفنا.
لم يكن النضال يوما ملكا خاصا حتى تمنحوا لأنفسكم الحق في طرد من جاء ليعارضكم، فكيف لكم أن تتعدو على طالبة جاءت لتقاسمكم غضبكم ؟ كيف لكم أن تتهمون و تهينون و تعنفون مواطنة ذنبها الوحيد أنها تحمل نسبا و عرقا ؟
لا أعرف من أي مدرسة أنتم قادمون و من أي فكر تتغدون ، لكن إن كنتم حداثيين فاعلموا أن الحداثة تتبرأ منكم لأنها تتغدى من الحرية و لا تفرق بين الأفراد ، إن كنتم شيوعيين فأدركوا أن مسيرة ماو لم تطرد أحدا ، إن كنتم ليبيراليين فاعلمو أن حتى الابناك و الشركات و المعامل الأمريكية ليس لها حق الطرد إن كان تعسفيا ،أما إن كنتم من محبي تلاثينيات ألمانيا، فهنيئا لأدولف بكم، وأخبركم أن حائط برلين قد سقط، فما انتم فاعلون …و ما لي إلا أن أدعو لكم بالهداية و الشفاء من وباء الحقد و العنف و الكراهية .
فأنا اليوم ازداد حبا لانني ربيت على حب من اختلفت معه و الدفاع عنه ازداد حبا للذي رباني و علمني أن المجتمعات تبنى بالحب و الحوار و ليس الإقصاء لمن وفر لي بيئة في بيتي سليمة.