كأنها تعلمت من أرضها المرتجة، ألا تكون غير مدينة الزلازل والأثقال والأوزار.
لم يجف بعد مداد الخطاب الملكي، في افتتاح البرلمان؛ حيث احتلت الإدارة حيزا مهما منه؛ بدا الصوت الملكي فيه مستنهضا للهمم، من أجل ثورة إدارية تقطع مع التسيب، التدجين، والعبوس في وجه المواطن؛ واعتباره، في أحسن الأحوال، خادما لا مخدوما؛ حتى ألقت إدارة الحسيمة في وجوهنا بجمعة حمراء، جمعة هوى فيها القانون، وحقوق المواطن – بريئا أو مذنبا – إلى أسافل الدرك الأسفل.
أمر أرعن بطحن مواطن، وأمه، وقوانينه وحقوقه ومؤسساته وبرلمانه، وخطاب ملكه .
أمر وحشي بطحن المملكة، دولة المؤسسات، وتاريخها، ورايتها ونشيدها، وكل الرموز التي تشكل فخرها.
أمر مرعب بإطفاء كل بريق للمملكة، وهي تتوهج بين الأمم الصاعدة؛ وإظهارها شمطاء بكل أسمال التجهم والعبوس.
يصدر الأمر بالطحن شفويا، من موظف إداري، وقوفا أمام آلة الطحن القذرة؛ وليس بين يديه من المستندات عدا وحشيته القصوى، وجهله الفاضح بكل المساطر القانونية، وعصيانه الكبير لأمر ملكي، لا يزال صداه يتردد في ردهات مجلس النواب.
ويستجيب، من استجاب، بكل برودة دم، لتتحرك الطاحونة، وتدك كل أجساد المغاربة دكا.
وتكتمل بهذا عناصر أغرب وجبة بشرية، في العالم، عبر تاريخ: سمك ببني آدم. سمك بدم صاحبه.
كلنا محسن فكري، لأننا، وأسلافنا، جميعا هنا منذ آلاف السنين، نبني وطنا لنا بين الأوطان. وطن نحلم به جنة لنا وجنانا لأبنائنا .
وطن تصان فيه الحقوق، ويتفيأ بظلاله كل طالب للسلم والسكينة، وكل هارب من الرمضاء.
أواه بلغ السيل الزبى:
كأن الحسيمة لم تكفها الزلازل الطبيعية، والزلزال الملكي الذي ضرب قلب الفساد الإداري فيها، ذات غضبة ملكية منصفة للوطن والمواطنين.
لم يكفها هذا لتزلزلنا هذه المرة، بأبشع غطرسة إدارية يمكن أن تتصور.
تضررنا مرارا من الإدارة المهملة، المرتشية، المحبطة، الفارغة، المعرقلة، المتمردة.. وزيادة؛ ولم نكن نتصور أبدا إدارة مجرمة، تمارس إعدام مواطن – ظلما صراحا- على مرأى ومسمع من المواطنين، ومن البشرية جمعاء .
تضررنا، حد اليأس، ونحن نستمع إلى عاهل البلاد يعلن عن تضرره، بدوره، من إدارة لم تلتفت إلى مراسلة إصلاحية منه، وجهت إلى الوزير الأول سنة 2002.
وها نحن اليوم نجرب لونا جديدا من التعسف الإداري الذي يصل حد القتل طحنا – عن عمد وترصد- لمواطن لم يواجه أحدا بسلاح، بل بمسطرة قانونية لم تطبق في حقه.
مات وفي نفسه شيء من حقوقه، سمكه، وطنه، وإدارته..
مات وتركنا ننوء بوز كبير، تسبب فيه سفهاء من رجال إدارة عصية على الإصلاح.
لعل كل المواطنين واثقون بأن المقاربة الملكية، لهذا النوع الجديد من الغطرسة الإدارية، ستعيد السكينة إلى قلوبنا المُرَوعة. ورحم الله شهيد الوطن محسن فكري.