العدل والإحسان تفشل في تطهير الشوارع بالدماء بعدما فشلت العدل والإحسان في "تنظيف الشوارع بالدماء"، وأصبحت الشوارع أكثر هدوء مباشرة بعد هذا التهديد، وحمل شباب 20 فبراير في المظاهرات التي تلتْ شعار" لا للعنف"، غيرت الجماعة، التي تعيش تحت وقع فضيحة نادية ياسين، والتي سارت بذكرها الركان، من المغرب إلى اليونان، من استراتيجيتها، وشرعت في توزيع الاتهامات ذات اليمين وذات الشمال، وإطلاق الكلام على عواهنه. وفي تقدير العدل والإحسان كما تشهد بذلك تصريحات "مناضليها" أن المغرب ليس بدولة عصرية بل مجرد مخزن " بكل ما تحمل هذه الصفة من معاني السيبة والفساد..." وأن السياسة القائمة على الإفقار والتفقير منذ الاستقلال (...) كان من نتائجها توجه المجتمع إلى الاحتجاج والمطالبة بالحقوق". والواقع أن ذهاقنة الجماعة، وهما في هذه المناسبة حسن أوهى وإبراهيم بايزو، لا تغيب عنهما الحقائق بل يتعمدون الخلط بهدف مكاسب آنية في هذه الدنيا الفانية، أولها التحريض على الفتنة، رغم أن الرسول (ص) عليهم وسلم يقول "الفتنة نائمة لعن الله موقظها"، كما فعل خطيب يوم الجمعة الماضي، في غفلة من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد توفيق، والمجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية للعلماء... وزد على ذلك الكثير من المؤسسات التي تتكفل بالشأن الديني، وأعلن من منبر الخطابة بأحد مساجد الدارالبيضاء، كما نقلت ذلك الزميلة "كود" أن من يعطي الترخيص ببيع الخمور قاتله الله"، وأصدر فتوى بعدم شراء الزيت والدقيق من الأسواق الكبرى. وقبل العودة إلى العدل والإحسان، والتي لاشك أن مثل هذا الخطيب مجند في صفوفها، لابد من التأكيد: أ: أن مثل هذه الدعوات إلى مقاطعة المساحات التجارية الكبرى ترتفع بين الحين والآخر، وتبحث غالبا لها عن سند ديني، نظرا لما أصبح لها ( أي المساحات الكبرى) من قدرة على استقطاب الزبناء، وهو ما ينعكس سلبيا على التجار الصغار، خاصة من مريدي الجماعة، أما الخمر ـ في هذه الحالة ــ فهو مجرد "رأس الحجام". ب : أن صناعة الخمر تشغل عشرات الآلاف من المواطنين، وتذر على حزينة الدولة مئات الملايين من الضرائب، وبالتالي فهى دعامة من دعائم الاقتصاد الوطني. د : أن على الدولة نفسها أن توضح موقفها من إنتاج واستهلاك هذه المادة. صحيح أن جزءا منها يصدر إلى الخارج، لكن الباقي يباع إلى المغاربة، ومع ذلك فإن هناك نصوصا تعاقب على بيعها للمسلمين، وهو ما يقتضي تجاوز هذا التناقض وفك رموز هذا اللبس، من دون أن يعني ذلك إلغاء النصوص الزجرية التي تعاقب عن السياقة في حالة سكر أو السكر العلني وإحداث الفوضي... أما ذهاقنة الجماعة، الذين يجتهدون من أجل خلق مثل هذه الكائنات التي لا تعرف إلا "تنظيف الشوارع بالدماء" و تحريم التبضع من المساحات الكبرى، و لاتبيح الاختلاط بين الذكر والأنثى، بالرغم من أن ابنة زعيمها الروحي مارست أبشع أنواعه، فإن التوظيف المغلوط لمعطيات التاريخ ليس، في نهاية المطاف، إلا محاولة للهروب إلى الأمام، بعدما انكشف وجه العدل والإحسان على حقيقته. فالمحزن، في التاريخ، هو المكان الذي تُخزن فيه المؤن، من أجل استعمالها عند الحاجة، ولقد كانت الدولة تقوم بهذا الدور أي تؤمن الأمن الغذائي للمواطنين في المجاعات والحروب والأوبئة، وهو دور يندرج في صلب مهامها، ثم أُطلقت العبارة، مجازا، على الذي يقوم بهذا الدور. وبالتالي فإن مفهوم المخزن لايحمل أي معنى قدحي، كما يسعى البعض للإيهام بذلك. أما إدعاء أن هذه الحركات الاحتجاجية، هي نتيجة لسياسة الإفقار والتفقير المتبعة منذ الاستقلال إلى الآن، فافتراء لا يصمد أمام الواقع. وأخال صاحب هذه الفكرة من الذين اعتقدوا أنهم سيتوصلون بـ 10 دراهم عن تصدير الفوسفاط إلى الخارج كل يوم، كما تم الترويج لذلك، في فترة ما، علما أن ثروات باطن الأرض هي ملك للدولة، وعلما ــ أيضا ـ أن المغرب بلد فقير بالمقارنة مع بلدان قريبة منا جدا، وأنه فُرضت عليه حرب استنزافية طويلة بمجرد أن استعاد الصحراء، وأنه لحد الآن لازال ينفق في كل يوم مئات الملايين من أجل الحفاظ على وحدته الترابية. وبالرغم من كل ما يقال، فالواقع أن المغرب يتوفر على كل مظاهر الدولة العصرية، من تعددية سياسية لم يصل ريحها بعد إلى العديد من الدول، وحكومة منبثقة من صناديق الاقتراع، وإدارة مدنية وعسكرية، ويحترم حقوق الإنسان، ويضمن حرية التعبير التي سمحت لذهاقنة الجماعة أنْ ينطقوا بمثل هذا الكلام... أما الاحتجاج، فهو مظهر طبيعي من مظاهر الحياة في كل دول العالم، وليس المغرب مجرد استثناء... وحين خرجت حركة 20 فبراير إلى الشوارع، فإن يد "المخزن" لم تطلها إلا بعد أن اندست أيادي العدل والإحسان في صفوف شباب كان سقف مطالبهم لا يتعدى إسقاط الفساد، فرفعت الجماعة شعار "تنظيف الشوارع بالدماء"، فكان ضروريا توقيف "الطوفان"...