كانت الحكومة التي انتهت ولايتها متضخمة بشكل كبير ومثير وصلت إلى أربعين وزيرا، وذلك إرضاء للأحزاب السياسية المشاركة في التحالف الحكومي، وتم النفخ في عدد الوزراء حتى ينال كل حزب حصة مهمة، وتم تشتيت الوزارات بشكل أفقدها فاعليتها بشكل نهائي بل تداخلت الاختصاصات لوقت طويل حتى تدخل بنكيران بمراسيم لتحديد مهام كل نصف وزارة.
قد يكون الأمر مقبولا في زمن انتقالي وفي زمن كان بنكيران يتدرب على الحكومة، لكن لن يبقى ذلك مقبولا في الوقت الراهن، بعد استوى عود الدستور من خلال القوانين التنظيمية وبعد أن خرجت القوانين المتعلقة بالجهوية الموسعة إلى حيز التطبيق، وتم تنفيذها خلال الانتخابات الجماعية والجهوية السابقة.
لم تصل الأحزاب السياسية حد الإشباع من الوزارات ومنافعها، وفي كل محطة انتخابية تظهر "الصفوف" التي كانت تنتظر حقها من التاويزاريت، وتشرئب الأعناق للحقائب التي بواسطة يصبح الفقير غنيا ودون محاسبة، وفي غياب تفعيل المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة سيستمر "من هب ودب" في استسهال الوزارة. ولكن رغم ذلك إننا في محطة مفصلية تحتم اختيار حكومة مصغرة.
لقد خرج القانون التنظيمي المتعلق بتطبيق الجهوية الموسعة إلى حيز الوجود، وانتقل من الورق إلى أرض الواقع، ولدينا اليوم 12 رئيس جهة، هم بمثابة رؤساء حكومات مصغرة، وكل جهة تتوفر على برلمان مصغر، ولديها ميزانية مهمة جدا.
عمل الجهات خفف الضغط كثيرا عن القطاعات الوزارية، بل إن بعض الوزارات سيصبح دورها مجرد التنسيق فقط، أي ستتحول إلى إدارة مركزية لتنظيم أعمال المصالح الخارجية، التي هي ممثل الوزارة بالجهة التي تحولت إلى حكومة صغيرة برئيس ونواب مكلفون بمهام هم عبارة عن وزراء هذه الحكومة ومجلس جهوي عبارة عن برلمان.
الحاجة الوحيدة التي لا تختص بها الجهات هي التشريع، الذي يبقى من اختصاص البرلمان وحده، ولم نصل بعد إلى مرحلة تصبح فيها التشريعات تختلف من منطقة إلى اخرى ومن جهة إلى ثانية وفق الخصائص والشروط الحياتية، وهذا ينبغي أن يتم تطبيقه في العديد من التشريعات، التي يلزم أن تراعي الخصوصيات المناطقية.
في الصين الشعبية، التي يصل عدد سكانها مليار ونص المليار، حكومة لا يتجاوز أعضائها 15 عضوا، لسبب وحيد اختار هذا البلد حكومة مصغرة، لأن الحكومة لا تبحث سوى القرارات الكبرى، أما باقي شؤون التدبير فتتولاها الحكومات المحلية.
والشيء نفسه يقال عن حكومة فرنسا وحكومة إسبانيا، وهي حكومات تكون دائما مصغرة لأنها لا تعاني من الضغط في إطار الانتداب الجهوي.
إذا عادت حكومة بنكيران مضخمة لن يكون هناك أي معنى للجهوية الموسعة. سيكون عبثا أن تضيف الحكومة أعباء أخرى على الخزينة في زمن يحتاج إلى التقشف، بل إن اي بلد يريد أن يدخل هذه المرحلة يعطي النموذج من كبار المسؤولين، فليبدأ بنكيران من تشكيل حكومته وهذه وحدها كافية لتدخله التاريخ.