في افتتاحية الأربعاء دققنا كثيرا في مفهوم "المصلحة الوطنية" الذي تم انتهاكه كثيرا من قبل حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، والذي تم اتخاذه قنطرة للركوب السريع في حكومة بنكيران والاستفادة من وزاراتها، ودللنا على ذلك بكون المعارضة هي أيضا من مصلحة الوطن، وكلما كانت أغلبية قوية من مصلحة الوطن وكلما كانت المعارضة قوية قادرة على لعب دورها الطليعي في العمل الرقابي والتشريعي فذلك من مصلحة الوطن.
واليوم نقف عند مفاهيم ثلاثة جاءت في كلمة إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عقب لقائه بحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، مذكرا بوجود قطب حقيقي تمثله الأحزاب الوطنية والديمقراطية والتقدمية، حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي.
وأصبح المثنى يُجمع لدى لشكر، ولم يحدد أين سيضع حزبا مثل الاشتراكي الموحد والمؤتمر الوطني الاتحادي وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، أم أن المحدد في وجود الأحزاب هو وجود برلمانيين حتى لو كانوا أعيانا ولا يعرفون معنى هاته المفاهيم.
ولنقف الآن عند المفاهيم الثلاثة لربطها بانسياق الحزبين وراء طموحات وزارية، ولو قال لشكر وشباط إنهما لا يجدان نفسهما في معارضة الحزب القوي فيها هو الأصالة والمعاصرة، لكان واضحا.
مفهوم الوطنية مطاط وهو جلباب يمكن أن يلبسه الانتهازيون والخونة. وهو بالمفهوم التاريخي يعني الأحزاب التي ناضلت من أجل الاستقلال، لكن بعد الابتعاد عن هذه اللحظة يشمل كل الأحزاب التي تعلن انتماءها للوطن والدفاع عنه.
وإذا تعمقنا في المفهوم فحزب العدالة والتنمية قائد الحكومة، التي يستعد الاستقلال والاتحاد الدخول إليها، وطنيته منقوصة من جهة انتمائه إلى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ومنقوصة من جهة أنه ضدا في مصالح البلاد رفع رئيس الحكومة شعار رابعة، ومنقوصة لأن وزير الخارجية وقتها سعد الدين العثماني ذهب إلى الكويت وزيرا وفضل اللقاء بقيادات الإخوان. ومع ذلك لأنه كما يعلن لم يشكك في المؤسسات وفي الوحدة الترابية يبقى حزبا وطنيا. لكن هذا لا يعني أن الحركة غير وطنية والبام غير وطني وحركة عرشان غير وطنية، ويمكن أن نقول عن النهج إنه غير وطني لأنه يساند البوليساريو.
أما عن الديمقراطية فتلك قصة أخرى. فحزب العدالة والتنمية وضع كل المفاتيح في يد الأمين العام، الذي من حقه رفض اللوائح الانتخابية التي تصدر عن القواعد الحزبية ومن حقه إعادة ترتيبها كيفما يشاء ومن حقه التأشير على لائحة المستوزرين ومن حقه كل شيء، وغير بعيد عنه ألم تجن القرارات الانفرادية على الاتحاد الاشتراكي؟ هل استشار المالكي أحدا في اللائحة الوطنية؟ لماذا بعثر ترتيبها بشكل مؤسف؟ أين هي الديمقراطية؟ على هذه الأحزاب الثلاثة أن تعيد مفهومها للديمقراطية، وبالتالي هي لا تختلف عن الآخرين.
أما عن التقدمية فالقضية أصعب. حزب الاستقلال ليس حزبا تقدميا لأنه حزب محافظ والعدالة والتنمية لأنه حزب ينتمي إلى السلفية الوهابية. فأين هي الأحزاب التقدمية؟ ألا تعتبر فيدرالية اليسار تجمعا تقدميا؟ التقدمية بالمفهوم السياسي التاريخي أصبحت متجاوزة لكنها بالمفهوم الاجتماعي لا تنطبق على العدالة والتنمية.
من كل ما قلنا فإن المفاهيم الثلاثة تم أيضا انتهاكها لفائدة الولوج إلى الحكومة والحصول على مناصب وزارية.