في اللحظات الصعبة يصبح إنتاج المفاهيم وتدقيقها نوعا من المقاومة للانحطاط الأخلاقي، الذي ينتج عن التبريرات غير المنطقية للسلوكات الانتهازية، ومن أهم المفاهيم تعرضا للابتذال هذه الأيام "مصلحة الوطن"، وهو مفهوم يتم باسمه ممارسة النفاق السياسي وضرب المصداقية الديمقراطية ومزيد من صناعة الكراهية للسياسة من قبل المواطنين، وبدل ممارسات نظيفة وواضحة تعيد الكتلة غير الناخبة إلى الصناديق يتم ضخ أرقام أخرى في نسبة 57 في المائة من غير المصوتين حتى لا نقول المقاطعين.
باسم مصلحة الوطن كل الأحزاب السياسية تريد المشاركة في الحكومة. حزب التقدم والاشتراكية برر بها مشاركته في الحكومة السابقة رغم أنه لا تربطه أية رابطة بحزب العدالة والتنمية، وباسم مصلحة الوطن حصل على أربع وزارات، بما فيها وزارة زعيمه التي تم تفتيتها وتفصيلها على قياسه.
حزب الاستقلال يقول اليوم إنه يريد المشاركة في الحكومة خدمة للوطن. ويوم خرج منها عقب انتخاب حميد شباط أمينا عاما برر أيضا الخروج منها خدمة للوطن، لأن حزب بنكيران مرتبط بالدواعش ويتلقى أوامره من جزر الواقواق بل قال شباط إنه يتلقى أوامره من دولة يعتبرها الزعيم الإسلامي كافرة ومرتبط بالموساد وهلم شتائم.
سؤال بسيط: هل كان خروج الاستقلال من الحكومة خيانة للوطن؟
الاتحاد الاشتراكي نفسه يقول إنه يريد دخول الحكومة من أجل مصلحة الوطن. مرة كان يقول إنه لن يتحالف مع "الوافد الجديد" يعني الأصالة والمعاصرة ومرة يقول إنه تربطنا به قيم الحداثة، حيث كان يعول على فوزه بالرتبة الأولى.
الحزبان كي يحافظا على ماء وجههما أرادا إحياء الكتلة الديمقراطية، المرحوم برحمة الله منذ زمن بعيد ويمكن اعتبار قصة مولة نوبة لصاحبها عباس الفاسي آخر تأبين لها، وبالتالي يحكم العدالة والتنمية مع الكتلة، بزعم أنها أحزاب خرجت من رحم الشعب ضدا في التاريخ لأن البيجيدي خرج من دار إدريس البصري برعاية الدكتور الخطيب رحمه الله.
مصلحة الوطن اليوم مرتبطة بكم وزارة سيحصل عليها الحزب، بل ما هي المصلحة التي سيحققها الزعيم ومن يدور في فلكه، وهل سيحصل على وزارات أم لا ومن سيستفيد؟ وهل المقربون أم غيرهم؟ وإذا وجد أن الطاجين سيذهب لغيره من الحزب يرفع شعار مصلحة الوطن تقتضي البقاء في المعارضة.
إذا كانت المشاركة في الحكومة هي مصلحة الوطن فهل المعارضة خيانة للوطن؟ لقد أولى المشرع عناية خاصة للمعارضة وخصها بالفصول الأولى من الدستور أسمى وثيقة يحتكم إليها المغاربة، وطالب الحكومة بتمكينها من كافة الوسائل للقيام بدورها وألزم بمنحها لجنة العدل والتشريع في البرلمان.
من مصلحة الوطن أن تكون أيضا هناك معارضة قوية قادرة على ممارسة دورها الرقابي والتشريعي، وليس من مصلحة الوطن مشاركة كل الأحزاب في الحكومة لأن الساحة حينها ستخلو للوزراء لفعل ما يشاؤون.
مصلحة الوطن اختيارات وليست وزارات، وهناك من مارس المعارضة الجذرية وأدى الثمن غاليا سجونا ومنافي، ولم يكن هدفه سوى مصلحة الوطن وليست مصالح شخصية.