بدأ حزب العدالة والتنمية وجوده وهو فقط مجرد تنظيم أي قبل أن يكون حزبا رسميا بسنوات وسنوات ، بدأ بالدخول إلى بيوت الفقراء في الأحياء المهمشة وفقراء القرى يساعدهم بأقل القليل على مصاعب الزمان ورغم قلة ما يساعدهم به فقد ظل وفيا لهؤلاء الفقراء زمنا طويلا ، وعدد هؤلا الفقراء بالملايين وهم الذين ليس لهم أي دخل قار من العاطلين وذوي الحرف بسيطة الدخل أو المعدمة نهائيا ، كان هذا التنظيم قبل أن يصبح حزبا يَعْرِفُ جيدا فئة البطالة المقنعة أمثال حراس السيارات وماسحي الأحذية وبائعي السجائر بالتقسيط والذين يفترشون الأرض نهارا ليبيعوا أشياء لا قيمة لها ويفترشون نفس الأرض ليناموا عليها ليلا وغيرهم كثير ، كل هؤلاء يعرفهم هذا التنظيم قبل أن يكون حزبا ، هو تنظيم مغربي مائة بالمائة خرج فعلا من رحم الشعب المغربي ومن معاناته أحب من أحب وكره من كره ، فكيف كانت الأحزاب الأخرى تعامل المغاربة قبل ظهور حزب العدالة والتنمية ؟
الأحزاب المغربية الأخرى سواء منها ما يعرف بالأحزاب الوطنية أو الأحزاب الإدارية ، نذكر من الوطنية حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الحركة الشعبية وحزب الشورى والاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي ، ومن الإدارية نذكر حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية المعروف اختصارا بــ (الفيديك ) الذي أسسه مستشار الملك الحسن الثاني رحمه الله السيد أحمد رضا اكديرة كذلك حزب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري هذه الأحزاب كلها حكمت المغرب ودخلت دهاليز الدولة وعرفت مطابخها وعرفت كيف تتخذ القرارات ....لكن !!!!
أولا : الأحزاب التي حكمت المغرب لم تكن مع الشعب بل كانت تبتز الدولة وتهدد أمنها :
هذه الأحزاب التي حكمت المغرب طيلة 55 سنة لم تكن قط يوما مع الشعب المغربي بكامله بل كانت تدافع فقط عن مصالح فئة الموظفين والعمال الذين لهم رواتب قارة والمنضويين تحت نقابات معروفة وتعتبرهم ( هم ) الشعب المغربي فقط دون غيرهم ، وكم عدد عمال القطاع الخاص والموظفين مع الدولة في المغرب ؟ في المغرب حوالي 5،3 مليون عامل في القطاع الخاص وعدد الموظفين الذين لهم رواتب قارة في المغرب لا يتعدى 900 ألف موظف .. وهل عدد سكان المغرب هو خمسة ملايين مغربي فقط ؟؟؟ أين الفلاح والمُيَاوِمُ والحرفي شبه المعطل عن العمل وغيرهم من المهمشين وهم بالملايين في المدن والقرى لا يجدون من يدافع عنهم ، كانت تلك الحكومات تعتبر الشعب المغربي هو فقط العمال والموظفين الذين تدافع عنهم نقابات متواطئة معهم لتقسيم الكعكة .... الشعب المغربي عند تلك الأحزاب هم أولئك الذين تتحكم فيهم النقابات وتهدد بهم الدولة كل مرة بإخراجهم إلى الشارع ، بل كانت هذه الأحزاب ومعها نقاباتها تهدد بإخراج الشعب إلى الشارع إذا لم تلبي الدولة مطالب الزيادة في أجور العمال والموظفين ، لم يكن للدولة مع تلك الحكومات هموم أخرى سوى الجري وراء البحث عن حلول للزيادة في أجور هؤلاء العمال والموظفين وبقية الشعب ليذهب إلى الجحيم ، حتى أصبح الموظف في المغرب يتقاضى ثلاثة أضعاف راتب أي موظف في المنطقة المغاربية رغم غنى بعضها مثل الجزائر وليبيا ، كانت تلك الأحزاب ومعها نقاباتها تدفع الدولة للاستدانة فقط من أجل الزيادة في أجور العمال والموظفين الذين ضمنوا عملا قارا أما الآخرون فليحترفوا جميع طرق الاسترزاق الحلال منها أوالحرام ...
ثانيا : حكومات ورطت الدولة في تضخيم أجور الموظفين وبيع ممتلكات الدولة :
المرسوم المنظم للمغادرة الطوعية وقعه الوزير الأول ادريس جطو عام 2004 وهو تكنوقراطي لكن وزير المالية والخوصصة هو الوزير الاشتراكي فتح الله ولعلو هو الذي ورط الدولة في سن قانون المغادرة الطوعية بحجة تخفيض كتلة الأجور وإخراج أكثر من 38 ألف موظف من العمل مع حق التمتع بأجرة شهرية تقل قليلا جدا عن الراتب الأصلي لكن مع الاستفادة الفورية من تعويض ضخم وهائل جدا لم يكن يحلم به أي موظف ، بلغ مثلا عند الأطباء والمهندسين والأطر العليا للبلاد ملايين الدراهم ، وعند بلوغ حد سن التقاعد يتمتع المستفيد من المغادرة الطوعية بمعاش شهري يقل قليلا جدا عن معاش الذين لم يستفيدوا من المغادرة الطوعية عند بلوغهم حد سن التقاعد .. لقد كانت كارثة اقتصادية ومالية على المغرب لأن هدف تخفيض كتلة الأجور الذي كان مبررا لهذه المغادرة الطوعية لم تتجاوز 1% ثم عادت لتتجاوز ذلك بكثير ، وكانت الدولة بالإضافة إلى ذلك قد ضيعت ملايين الدراهم هباءا منثورا كانت ستفيد الفقراء الحقيقيين المعدمين .
ثالثا : لماذا لم يعاقب الشعب حزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 أكتوبر 2016 ؟
من أواخر الإصلاحات التي قام بها رئيس الحكومة بنكيران هو إصلاح صندوق التقاعد في أواخر أيام حكومته ، وكانت مراسيم هذا الإصلاح قد خرجت في الجريدة الرسمية ....وفي فاتح أكتوبر 2016 جاءت كل رواتب الموظفين منقوصة ببضعة عشرات الدراهم تطبيقا للقانون الجديد للتقاعد ، كم فرح خصوم حزب العدالة والتنمية وجعلوا هذه الاقتطاعات مطية ركبوا عليها في حملاتهم الانتخابية باعتبارها مسا خطيرا بأرزاق الناس ، فرحوا وظنوا أنها ستكون هي الضربة القاضية لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 أكتوبر 2016 ، وفعلا كنتَ تجد الحملات العدوانية التي تنشرها كل المواقع الالكترونية المغربية على حزب العدالة والتنمية متأكدة بأن الاقتطاع من رواتب الموظفين سيكون هو آخر مسمار في نعش العدالة والتنمية ؟
طبعا كان كل خصوم الحزب يركبون على كل الترهات ضد العدالة والتنمية لاستقطاب الأصوات في حملاتهم الانتخابية : مثل إصلاح التقاعد الذي كان بعضهم يجاهر بأنه إذا تصدر الانتخابات سيعمل على إلغاء هذا الإصلاح وترك المتقاعدين يواجهون مصيرهم المجهول ، كذلك إعادة صندوق المقاصة الذي عملت حكومة بنكيران على تقليص الدعم المقدم إليه بشكل كبير ( وهو صندوق الدعم الاجتماعي الخاص بدعم بعض المواد الأساسية مثل البنزين والمازوت والسكروالزيت والدقيق وغيرها من مواد الاستهلاك ) كانت حكومة بنكيران قد ألغت نسبة كبيرة جدا من دعم هذا الصندوق لأنها طبقت نتائج دراسة قديمة تؤكد أن المستفيدين من هذا الدعم هم الأغنياء فقط .
لكن لماذا لم يعاقب الشعب حزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 أكتوبر 2016 ؟ لأن الذين صوتوا عليه في الانتخابات الأخيرة ليسوا من الموظفين الذين جاءت رواتبهم منقوصة في فاتح أكتوبر 2016 ، وليسوا من الذين يستفيدون من صندوق المقاصة بل هم من الذين لا علاقة لهم بالنقابات والأحزاب القديمة التي لم تنفعهم في شئ بل هم من :
- من الأرامل العاطلات عن العمل الذين استفادوا من منحة الأرملة التي أقرتها حكومة بنكيران .
- من المطلقات العاطلات اللائي يستفدن فوريا من منحة المطلقة ذات الأطفال ( حوالي 350 درهم للطفل شهريا في حدود ثلاثة أطفال أي 1050 درهم ) لم تكن تحلم بها المطلقات فوريا .
- من الذين كان معاشهم لا يزيد عن 150 درهم كل ثلاثة أشهر وأصبحت مع حكومة بنكيران 1000 درهم شهريا
- من الذين استفادوا من التعويض عن فقدان الشغل مدة ستة أشهر ومرافقة فاقدي الشغل حتى يجدوا عملا بديلا وهو من إنجاز حكومة بنكيران
- من الذين استفادوا من بطاقة رميد للفقراء الذين ليست لهم تغطية صحية عملت هذه الحكومة على تفعيلها لأنها في الأصل من إقرار ملك البلاد لكنها ضيقت على المتلاعبين من الاستفادة بها لأن وزارة الصحة اكتشفت أن عددا من حاملي هذه الطاقة إما أنهم يستفيدون من تغطية صحية أخرى أو أنهم لا يستحقونها لأنهم أغنياء
- من الذين استفادوا من تخفيض ثمن أكثر من ألف دواء كان يعاني من شرائها بثمن باهض
- من الطلبة الجامعيين الذين ارتفعت قيمة منحة دراستهم بمقدار الثلث بفضل حكومة بنكيران بالإضافة لتوسيع قاعدة الطلبة المستفيدين من هذه المنح
- من أباء وأولياء التلاميذ الذين كانوا يرون أبناءهم وبناتهم في البيت أكثر مما يرونهم في المدرسة لأن الأساتذة كانوا في إضرابات لا نهاية لها ، تصوروا أن آخر إحصاء قبيل حكومة بنكيران كان يؤكد أن التلاميذ في المغرب يدرسون خلال السنة الدراسية 55 يوما فقط لا غير !!!! وجاءت حكومة بنكيران وقررت ربط الأجرة بأيام العمل أي اقتطاع كل يوم إضراب من الأجرة ، ولما تضررت جيوب الأساتذة رضخوا للقيام بواجبهم ... لكنهم لهم طرقهم الخاصة في الانتقام من التلاميذ حينما يغلقون عليهم أبواب قاعات الدرس إلا من رحم ربك ...
هذه الأشياء لا تعرفها الأحزاب الأخرى التي كانت تستهدف الموظفين والعمال وتعمل على المطالبة الدائمة بالزيادة في أجورهم وكان ذلك مبلغ جهادها خوفا منها ومن شعبها الذي تهدد به الدولة للخروج إلى الشارع ...أما مع حكومة بنكيران فقد أصبح الذي يقرر القيام بالإضراب عليه أن يفكر ألف ألف مرة قبل أن يخوضه لأنه لن يجد أمامه إلا أحد أمرين : أن يفكر مع الحكومة في من لا دخل له نهائيا أو عليه أن يتحمل مسؤولية عدم الالتحاق بعمله ...
رابعا : لماذا استدانت حكومة بنكيران :
استدانت حكومة بنكيران من أجل تنفيذ مطالب الفئات التي لا تعرفها النقابات والأحزاب القديمة ، من أجل فئات لم تكن تعرفها الحكومات السابقة .. كانت الحكومات السابقة لاتعرف سوى الذين لهم دخل قار وتعمل على أن يرتفع دخلهم القار وكانت تستدين من أجلهم فقط أما الباقي فهم مجرد رعاع لا قيمة لهم ولا حضور لهم في أي مشروع انتخابوي ...
عود على بدء
تلك هي بعض الأسرار والحقائق المُرَّة التي جعلت جزءا من الشعب المغربي يستيقظ ويثور على الأحزاب القديمة التي امتصت دماءه طيلة 55 سنة ، وجاء الشعب في 7 أكتوبر 2016 ليعاقبها ، لقد كان حزب العدالة والتنمية قد حصل في انتخابات 2011 على 107 مقعد وكانت مفاجأة مبهرة للذين لا يعرفون هذا الحزب الذي كان ملتصقا فعلا بهموم الشعب ومشاكله اليومية ليس كشعار بل بالأفعال اليومية قبل أن يكون حزبا له اسم وله مقار معروفة ... واليوم في انتخابات 7 أكتوبر 2016 حصل على 125 مقعد من أصل 395 ( حسب النتائج المؤقتة ) وتصدر مرة ثانية المشهد السياسي في المغرب بفضل مغاربة العمق المغربي ، مغاربة الهامش الذين لايعرفهم أحد ... لقد كان بنكيران يردد دائما في مجالسه الخاصة : لا تحدثوني عن الموظفين والعمال الذين لهم مداخيل قارة فهؤلاء لهم من يدافع عنهم من النقابات والأحزاب الانتخابوية ، حدثوني عن الذين لا تعرفهم النقابات والأحزاب القديمة ، حدثوني عن الذين لا رواتب لهم و لا أماكن قارة لهم ...
أولئك الذين استغلوا المناصب الوزارية والمقاعد البرلمانية لتنمية رؤوس أموالهم طيلة 55 سنة هل يعرفون أكواخ الفقراء ومساكنهم القصديرية ؟ وهل يعرفون من يغسل أموات المسلمين الفقراء في الأحياء والقرى والمداشير النائية حينما ينزل خطب الموت على عائلة معدمة تحتاج للقمة من الكسكس المغربي وهي لا تملك كفن فقيدها ؟ إنهم الذين حفروا الصخر بأظافرهم بصبر وأناة ونكران الذات وربما جاء دورهم اليوم في المغرب ليدافعوا عن الذين لا تعرفهم أحزاب الدكاكين الانتخابوية الموسمية ...
إنها الحقائق المُرَّة التي نجح بها حزب العدالة والتنمية المغربي في انتخابات 7 أكتوبر 2016 ، لماذا هي مُرَّة لأنها حقائق لا ولن تستطيع تبنيها أعتى أحزاب الشيوعية والاشتراكية والرأسمالية وكل الأسماء البالية ... إنها حقائق نابعة من عمق أعماق أخلاق ديننا الحنيف صلى الله وسلم على النبي المصطفى الذي جاء به رحمة للعالمين ، وليس هرطقة من هرطقات الشرق والغرب التي يتمسك بها أصحاب الدكاكين الانتخابوية التي لا يفتحونها إلا كلما اقتربت قيامة الانتخابات ...
سمير كرم