* عبد الحميد الجلاصي
ذكر أحد القادة الفلسطينيين الكبار أنه كان مقتنعا أن الأوضاع في المنطقة لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه، وأن "شيئا ما" لا بد أن يحصل. كان ذلك سنة 2008، ولما سئل من أين ستنطلق الشرارة، أجاب بيقين الأنبياء: لا أعرف، ولكني أعرف بالتأكيد أن آخر بلد يمكن أن تنطلق منه هو تونس.
للأسف لم يكن القائد نبيا. ومن حسن حظنا أن التاريخ ليس معادلة رياضية، إنه أعمق، وأعقد، وأمتع، وأرحم من ذلك.
1- اندلعت الثورة التونسية في دجنبر 2010. كانت الحجر الذي ألقي في البحيرة الراكدة فحرك مياهها. هذه المساحة الخاملة الممتدة بين الخليج والمحيط، أريد لها أن تكون على هامش التاريخ، وتعاضد عليها الاستعمار والاستبداد والانحطاط لكي تكون أمورها على ما هي عليه. و لكن الخمول كان ظاهريا، لذلك ما إن اشتعلت الشرارة المباركة حتى انتشرت عدواها بسرعة في خمسة أقطار لم تبق بقية المساحة على الحياد.
بعض البلدان تحوط من العدوى، والبعض الآخر تكيف بغاية الاحتواء، والبعض الآخر انحنى للعاصفة في انتظار أيام أفضل.
وحده المغرب حصلت فيه "تكيفات" مؤسساتية وقانونية وسياسية بحجم ثورة. لذلك يمكن اعتبارها الثورة العربية السادسة.
هذه الأيام انتظمت في المغرب الانتخابات العامة الثانية منذ انطلاقة الربيع العربي.
الجميع كان ينتظر النتائج، والجميع كان يتساءل: هل نحن أمام ربيع حقيقي، وأمام مسار يتقدم رغم صعوباته، أم نحن أمام قوس نبحث عن إغلاقه، وأمام صفحة تطوى بطريقة لائقة، لتعود حليمة إلى عادتها القديمة و"تعتذر الشعوب عما فعلت"؟
كان من المؤكد أن تحصل تجاوزات، فنحن ندرك أننا في منتصف الطريق لذلك كان السؤال المطروح هو التالي: هل ستغير التجاوزات جوهريا إرادة الناخبين، أم ستبشرنا جهات الرقابة في تعليقها تلك الجملة المعتادة: حصلت تجاوزات غير أنها لا تؤثر على نتيجة الانتخابات؟
وكثيرون كانوا يعتبرون هذه الانتخابات امتحانا مزدوجا، لحزب العدالة والتنمية بعد خمس سنوات من التسيير، وللإرادة الملكية في الاستمرار في الخيار الديموقراطي، وفي الاعتماد على من تفرزهم الصناديق.
الآن حصلت الانتخابات، وباحت الصناديق بأسرارها. الجميع هنأ، واعتبر أن الانتخابات كانت نجاحا وكسبا. كانت كسبا للطرفين الممتحنين أصالة: المؤسسة الملكية وحزب العدالة والتنمية. كسب كلاهما رهانه الخاص. ولكنها كانت كذلك كسبا للمغرب كله، من جمهور الناخبين، إلى الاحزاب، كما كانت كسبا للأمة، ولمسارات بناء الديموقراطية في العالم.
***
2- لن نتوقف -إلا عرضا- عند تحليل نتائج الانتخابات، ولكن سنتوقف عند مجموعة من الحقائق الكبرى لتفسير هذا النجاح مع بعض المقارنة مع مسار شبيه هو المسار التونسي.
الحقيقة الأولى: أن القوى التي تستند إلى المرجعية الإسلامية التجديدية، بهذه الدرجة أو تلك، لا تزال قوى شديدة التأثير كلما وقفت أمام الاختبار الشعبي.
نستحضر ما حصل من "استفتاءات" في الأشهر الأخيرة: إفشال محاولة الانقلاب في تركيا، فوز تحالف التيار الوطني للإصلاح بنتائج مهمة في الانتخابات البرلمانية الأردنية، فوز التيار الإسلامي بالانتخابات الطلابية في الجامعات الفلسطينية والكويتية، وأخيرا النتائج الانتخابية في المغرب.
الحقيقة الثانية: وجود مؤثر للقوى التقليدية من قبائل، إدارة، أحزاب مخزن.. وهو وجود حقيقي بقطع النظر عن التشجيع الذي قد يحظى به.
الحقيقة الثالثة: حجم القوى الوسطية -اليسارية والليبرالية- في العمليات الانتخابية الشفافة رهين بحدة الاستقطاب الفكري والمصلحي. إذ تسحق هذه القوى في حالات الاستقطابات الحادة.
الحقيقة الرابعة: القوى اليسارية تعاني صعوبات كبرى في التأقلم مع أوضاع البناء الجديدة، وتتغذى عادة من شحن نزعة الاحتجاج.
الحقيقة الخامسة: البناء الوطني في مراحل الانتقال هو بناء إدماجي يستوعب ويشرك أقصى ما يمكن من ألوان الطيف. إذ التشريك يقلص العدائية، المعارضة نفسها هي صيغة من صيغ التشريك، إذ هي لعب داخل المنظومة، فتكون إحدى ضمانات التوازن في المشهد السياسي والمجتمعي.
الحقيقة السادسة: للجماهير ذكاؤها وحسها السلي؛ لا يغريها بالضرورة خطاب المزايدة والشعبوية. لا تطلب شيئا سوى الصدق والصراحة والوضوح. بإمكانها أن تصبر إن وجدت خارطة واضحة والتزاما بها.
في يناير 2016 تعرض البناء التونسي لامتحان عسير؛ طيلة ثلاثة أسابيع تصاعدت الاحتجاجات الاجتماعية في أكثر المحافظات هشاشة، وفي شهر مشهور في تاريخ الاحتجاج الاجتماعي.
عكفت مؤسسات استطلاع الرأي للبحث في الدوافع وخاصة في الأسقف والآفاق، كانت النتائج متطابقة سواء بالنسبة للمجموعات البؤرية أو للاستطلاعات المباشرة. كانت الرسالة هي التالية: نحتج تحت سقف الدولة. نحن مستعدون للصبر، مستعدون للإهمال ولكننا نريد أفقا، ونريد قيادة صادقة.
الانتخابات المحلية والجهوية المغربية في شتنبر 2015 أبانت حدود مقولة "تهرئة" شعبية الأحزاب بممارسة السلطة. حزب العدالة ضاعف نتائجه في تلك الانتخابات مقارنة بالانتخابات التي سبقتها. تغلغل أكثر في المدن الرئيسية. المقولة صادقة حين لا تكون هناك بدائل جدية وحين يلمس الجمهور تقصيرا أو غموضا أو فسادا من الطرف الحاكم.
الحقيقة السابعة: جمع الحزب كل عوامل النجاح:
- زعيم استثنائي صريح ومتواضع وجريء، وتلقائي. يجد المغربي فيه نفسه.. قريب وبعيد في نفس الوقت.
- طاقم قيادي متنوع ومتضامن.
- تنظيم متماسك وممتد في الأحياء والأرياف.
- إستراتيجية اتصالية تعتمد القرب والصراحة.
- مضمون انتخابي صادق يبرز المكاسب ويُبين الصعوبات، ويشرك القاعدة المنتخبة في احتمالات النجاح.
- مقاربة تشاركية في البناء الوطني، تستثني قوى الاستئصال، وقوى المحافظة المتمترسة خلف المواقع والمصالح.
***
3- لا أحد يمكنه المجازفة بالادعاء أن المغرب وصل بر الأمان، وأن الديموقراطية قد استقرت فيه، ولكنها تجربة ناجحة بمقاس الانتقالات الديموقراطية، وهي مسارات طويلة ومعقدة بطبيعتها، تكون عادة عرضة لكل أنواع التقلبات. ولكن ما هي عوامل نجاحها؟
أ- مؤسسة ملكية عريقة، يقف على رأسها ملك شاب وذكي، ورث الملك عن الحسن الثاني رجل له تاريخ من مجلدات كثيرة، لا يمكن أن تنسى، ولكن مما يحسب له ذكاؤه. فهو لاعب شطرنج ماهر.. يفكر في ميراث المملكة، ولكنه يفكر أيضا في مستقبلها لخمسين سنة قادمة.
للمؤسسة الملكية المغربية خبرة طويلة في اصطناع العصبيات الجديدة. وفي السياسة لا صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة. يمكن لملك أن يصطنع دائما "مخزنا" جديدا إذا كانت له الجرأة للتخلي عن العصبيات المهترئة. وقد أثبت الملك الحسن الثاني أن له هذه القدرة، فأحدث تداولا على السلطة، تفاعل مع المستجدات بطريقته، وهو يقصد ضمان الاستقرار لأبنائه، وربما لأحفاده. فأدخل للمخزن مكونا آخر بإدماج الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية.
محمد السادس الملك الشاب فهم أن للعصر مزاجا فسار في طريقه. نفس طريق والده، و لكنه كان أكثر تحررا. فهو حر من الماضي، وأحدث من الآليات ما به يداوي الجراح ويطوي الصفحة ويحيلها إلى مملكتي التاريخ والآخرة.
فلما جاءت موجة الربيع العربي وجد نفسه بين ركوب الموجة والتصدي لها؛ حينها لم يكن أحد يتنبؤ بالمستقبل. لم يتردد الملك كثيرا، واختار المسلك الذكي. اختار القيام بثورته الهادئة. كان يعرف أن كل القوى السياسية المشاركة في السلطة هي قوى عقلانية، و كان يعرف أن التصدي للموجة سيدفع الساحة إلى الجذرية، وكان يعرف أن له من الوسائل والتأثير ما يحدث به التوازن بين القوى الطموحة للتغيير وقوى المحافظة.
سير العملية الانتخابية تؤكد أن الملك ما زال يعتبر أن البناء السياسي الديموقراطي الذي قاد المرحلة السابقة قادر في الإجمال على المواصلة.
ب- تنافس سياسي تحت سقف محدد:
يمكننا المقارنة بين المسارين التونسي والمغربي.
في المسار التونسي كان التفاعل منفلتا دون سقف. السقف فيها صنع ويصنع بالتدريج. بعيد الثورة حددت العبقرية التونسية، أو الخوف، أو المحافظة، أوالتقاليد الدستورية سقفا مؤقتا، وأرست هيئات مؤقتة قبل الانتخابات. الانتخابات نفسها لم تفض مشكلة السقف إلا قانونيا وشكليا. أما على الأرض فقد كانت هناك سيولة شديدة. و السيولة عامل قوة؛ إذ قد تفضي إلى ممكنات كثيرة، ولكنها أيضا قد تكون عامل ضعف وهشاشة مع استمرار الصراع دون سقف.
مشكلة المسار التونسي تكمن -لحد الآن- في ضعف الدولة. وهذا يؤثر على قدرة أي حكومة على الإنجاز.
في المسار المغربي كانت المؤسسة المرجع حكما. والحكم مطلوب.. قد يلجم الطموحات ربما، ولكنه يعطي الفرصة للاعبين أن يلعبوا، أي للحكام أن يحكموا.
لعلنا نستحضرفي هذه المقارنة المسارين التاريخيين للتجربتين البريطانية والفرنسية.
الملكية/السقف، الراعية للتدافع والمتطورة معه ومن خلاله. والجمهورية دون سقف، المفتوحة على التراجعات والتقدمات، ولكن حصيلتها النهائية هي التقدم.
نموذجا المراكمة والقفزة.
الديموقراطية المغربية بدأت من تحت. الأحزاب المغربية دخلت بيت السلطة والتدبير من الدرجة الأولى في السلم، بالانتخابات المحلية منذ النصف الثاني من التسعينات، ثم من خلال البرلمان، وبعضها من خلال الحكومة حتى. لما جاء الربيع، لم تكن الأحزاب كلها غريبة عن السياسة وعن التدبير وعن البناء.
الحالة التونسية كانت مغايرة.
المكونات المرشحة لملء الفراغ بعد فرار الطاغية كلها جاءت من خارج فضاء الدولة، إن لم تكن من فضاء الصدام معها. جاءت من فضاء المقاومة وليس فضاء السياسة. كان عليها أن تتعلم. بدأت البناء من فوق؛ من الحكومة والرئاسة والبرلمان وليس من تحت، من المسار الطبيعي لكل الحكام.
في المغرب كان المطروح هو التطوير، ولذلك استغرقت الهيئات المنتخبة مدة نيابية كاملة من خمس سنوات، وهي فترة كافية لمراكمة المنجزات، وقياس الأداء.
أما في تونس، فكان المطلوب هو إعادة التأسيس، وزمن التأسيس كان محددا بسنة، تمططت لتتحول إلى ثلاث، ولكن دائما تحت شبهة الخروج عن الشرعية، ونهاية مدة التكليف.
لنا أن نقارن حكومة واحدة امتدت عهدتها خمس سنوات كاملة، وست حكومات في نفس الفترة.
نموذجان في الديموقراطية وفي البناء الديموقراطي، لكل منهما خصوصيته، والمقارنة بينهما إنما تكون بالنتائج المتحققة على الأرض، مع مراعاة الفوارق.
***
4- الطبخ على نار هادئة، والطبخ على "الكوكوت":
المقارنة بين المسارين التونسي والمغربي تدفع أيضا إلى المقارنة بين فاعلين أساسين فيهما. بين حركة النهضة وحزب العدالة والتنمية.
توجد أوجه شبه كثيرة بين الحزبين؛ فكلاهما في مجمله سليل المدرسة العصرية، وتأثر بالمناهج النقدية الحديثة، وكان للجناح الطلابي ولمناخات الصراع الجامعي تأثير مهم فيه وكلاهما اكتشف -وإن متأخرا- المدرسة التجديدية المقاصدية وتأثر بها، انطلاقا من علمين من أعلامها: الشيخان علال الفاسي، ومحمد الطاهر بن عاشور.
ومع ذلك توجد فوارق مهمة بينهما، أثرت في علاقتهما بالدولة، وفي طريقة إدارة الحكم.
- زمن العدالة والتنمية هو -كالزمن السياسي المغربي- الزمن المسترسل، ومن ثم هو زمن التدرج والتراكم. الحزب حرص على الاندماج في الدولة تمنعت قليلا، ثم قبلت به ولم ترفضه أو تلفظه فوفر مناخا مناسبا للبناء.
العلاقة بالدولة هي علاقة اندماج /احتواء، أو تضييق/مداورة. والنتيجة إدارة حوار داخلي واسع في مناخ يسمح بذلك، والاقتراب أقصى ما يمكن من العلنية، والاتفاق على سياسة ذكية في الانتشار حسب الفضاءات المجتمعية وخصوصياتها، والاندراج في فضاء الدولة وإفراز طاقم واسع من القيادات لكل منهم بصمته ومدونته الفكرية.
زمن النهضة -كالزمن السياسي التونسي- زمن الانقطاعات والطفرات. الدولة تضيق بمنافسيها، وقد يرتكبون هم أيضا أخطاء، فتكون العلاقة علاقة محاصرة أو مواجهة أو حتى استئصال. هنا إدارة مخاطر لا إدارة فرص، والاضطرار إلى السرية، والاستغراق في معركة الحفاظ على الوجود بدل التفرغ لإدارة معركة التجديد.
وهذا ما جعل النهضة عند الناس صندوقا أسود، ومحلا للتوجس والشبهات. نتيجة غياب امتد لعقدين مع قصف مركز للتشويه.
العدالة والتنمية وجد نفسه بعد الربيع العربي، مباشرة في مستوى اللحظة. يعالج معادلة بسيطة، انطلاقا من خبرة متراكمة في الإدارة، من خلال مهنية سوية لعدد كبير من المناضلين، عوملوا كمواطنين مغاربة، دون تمييز أو استثناء، وخبرة لا بأس بها في مؤسسات الدولة انطلاقا من البلديات إلى الكتلة البرلمانية.
النهضة وجدت نفسها أمام معادلة شديدة التعقيد. عليها أن تعالج ملفات الماضي وأعطابها في جسمها ذاته، وأن تتصدى للمساهمة في تثبيت المسار وأحيانا قيادته. لم تكن الخبرة متوفرة، ولا الموارد البشرية مؤهلة.
لم يكن هذا حالها لوحدها. فمجمل البناء السياسي والحزبي السابق كان عليه أن يقوم بعملية تأهيل شاملة في الثقافة والعقلية والمضامين والموارد وطريقة ردة الفعل.
ولم تنجز أي من الحكومات اللاحقة مثل ما أنجزت حكومة الترويكا.
الذكاء والإرادة والقدرة على التكيف كانت متوفرة في الحالتين، ومع ذلك تبقى الفوارق قائمة ومؤثرة.
- كلتا التجربتين لها آلياتها الديموقراطية، صلتها وجودتها عبر مسار طويل من التحديد والتطوير، و لكن للحظات التأسيس استتباعاتها.
حركة النهضة هي بالتأكيد حركة مؤسسات، ولكنها أيضا حركة لها زعيم، بينه وبين من معه -من بعده- فوارق في السن، وفي الاعتبار. العدالة والتنمية حزب "أتراب"، بما يجعل المأسسة أكثر سلاسة، وبما جعل التداول حقيقة واقعة.
- إدارة الحكم اختلفت بين الحزبين؛ ففي المغرب تصدى المسؤول الأول في الحزب للمهمة الأولى في الحكم، فتحددت الصلاحيات والمسؤوليات. وحصل الانسجام والتكامل بين الجسم الحزبي والفريق الحكومي.
في حركة النهضة اعتبارات كثيرة منعت من هذه الصورة، فوجدت حالة غير طبيعية، حينما يكون المسؤول الأول في الدولة -في نظام شبه برلماني- ليس هو المسؤول الأول في التنظيم الحزبي. والتجربة أظهرت أن مثل هذه الحالات توجد "توازنا قلقا"، يفضي إلى نوع من التنازع.
فالبناءات المصطنعة تؤدي عادة إلى الانفجارات. نجت الحالة التونسية بالذكاء والتسليم من هذه الصورة، ولكنها قد تكون أثرت بعض التأثير على الأداء.
- وضوح أو التباس التكليف:
الرسالة الانتخابية في انتخابات 2011التونسية كانت ملتبسة: بين مهمة تأسيسية غالبة، ومهمة حكم تابعة، ولكن الجماهير تطلب ممن تنتخبهم أن يحكموا، لا أن يصيغوا لها دساتير فقط.
بينما رسالة التكليف المغربية كانت واضحة تماما: كما هي الرسالة لكل الحكومات التي تنتخب في العالم. انتخبناكم: احكموا.
***
5- في هذا الفضاء الشاسع بين الخليج والمحيط الذي سئم الخمول، واحتلال المراتب الأخيرة في سلم الحريات والديموقراطية والكرامة والتنمية تتعدد التجارب.
مياه كثيرة تتحرك، ووعي جديد يتشكل، وبشر يرفضون البقاء في موقع الضحايا، أو المتفرجين، أو الرعايا.
في هذه اللوحة من الإحباطات والدماء والآمال والتطلعات، تسطع منارتان في تونس والمغرب.. لكأن الشمس تطلع من مغربها.
لكل منهما منجزها وسياقها، ولكل منهما صعوباتها الخاصة. قد يلتقيان الآن في نفس الهدف: الإصلاح في إطار الاستقرار.
في الحالة التونسية ببناء كتلة تاريخية واسعة، توضح مجال التجاذب والتدافع، وتفصله عن مجال المشترك السياسي الذي لا تنازع حوله.
وفي الحالة المغربية من خلال محافظة المؤسسة الملكية على دورها التحكيمي، ورفع السقف وتوسيع مجال التدافع الديموقراطي والإرادة الانتخابية.
للأسف لا يزال التنسيق الوحدوي بعيدا، وإلى ذلك الحين، فإنه بمسارات قُطرية، تتفاعل كل منها مع خصوصيات وضعها، ضمن أفق الحرية والكرامة والتنمية، يكون لنا موقع تحت الشمس.
* ناشط سياسي تونسي