مشية خجولة، نادرا ما يرفع صوته، رجل ظل بامتياز، لا يضع البيض كله في السلة نفسها، يختار مساعديه بعناية خاصة، يطرح السؤال المناسب، ويرمي الصنارة في الوقت الأنسب.. هذه بعض من الخصائص التي يختزل عبرها خصوم عزيز أخنوش قبل أصدقائه، سر نجاح رجل الأعمال السوسي، الذي برز اسمه في الأيام الماضية كأبرز شخص قادر على قيادة "التجمع الوطني للأحرار" خلفا لمزوار المستقيل.
وحتى نعرف أسباب قوة الرجل وشخصيته الكاريزمية وتفاصيل قربه من الملك، لابد أن نعود لبدايات الرجل.. إليكم الحكاية.
هذه حكايات البدايات التي انطلقت من تافراوت، مرورا بعين السبع بالدار البيضاء، وصولا إلى البلاط، كما يرويها عزيز أخنوش لـ”الأيام”: “واكريم زوج عمتي، وهو قبل كل شيء صديق حميم لوالدي، ومنذ الأربعينيات شرع الوالد في تصدير الرخام المستخرج بنواحي سوس إلى أمريكا، إلا أن مواجهته للمستعمر وسجنه أكثر من مرة جعله يفقد كل شيء، ويعيد البدء من الصفر. ومرة أخرى بدأ مبكرا كتاجر في درب عمر..قبل أن يقتني محطة الغاز الأولى، ثم الثانية..، إلى أن قرر أن ينشئ ورفيق عمره وزوج شقيقته الحاج واكريم شركة “إفريقيا غاز” لتوزيع المحروقات، التي تعتبر أول شركة مغربية خالصة في القطاع.”
حينما عاد عزيز أخنوش سنة 1986 من كندا، وفي جيبه أكثر من دبلوم في التسيير والتدبير، كانت ابنة عمه سلوى قد كبرت، وزوج عمته واكريم وأبوه قد بدآ يحصدان ما زرعاه بشركة توسعت خلال السبعينيات لتنشئ حاويات التخزين الضخمة، وتؤسس للقاعدة الصلبة لشركة “مغرب أكسجين” كصناعة تكميلية لتوزيع المحروقات.
كما لو كان أخنوش الأب يتوفر على موهبة التجارة بالفطرة، وفطنة الأعمال التي انطلقت في الأربعينيات واشتهر بها أهل سوس، بالسليقة. وكان على أخنوش الابن أن يأخذ زمام الأمور ويطور التدبير اليومي لشركة إفريقيا غاز، ويوسع مجالات أنشطتها لتصبح مجموعة “أكوا” رائدة في قطاع المحروقات. أما “أَكْ” وهو الشطر الأول من الهولدينغ الذي سيصبح له حجمه في المعادلة الإقتصادية الوطنية، فنسبة إلى الاسم العائلي لأخنوش، وبخصوص الشطر الثاني “وَا” فكناية عن الاسم العائلي لواكريم.
يبحث عن شركاء جدد، يتحكم في الديون، يربط جسور التواصل مع رجال المرحلة الذين يتغيرون بتغير الظرفية السياسية والإقتصادية، ويركب المغامرة تلو الأخرى، في عالم المال والأعمال، الذي لا يتطور فيه إلا المجازفون بالرأسمال في المرحلة الفاصلة بين ما يقبله العقل وما يسمح به الحد الأدنى للجنون. هكذا بدا عزيز أخنوش الشاب الطموح الذي بذل قصارى جهده لتطوير إمبراطورية آل أخنوش، وعجل بزواجه من ابنة عمه سلوى التي أحبها من أول نظرة وترعرع العشق بينهما لقاء عائليا بعد آخر.
ورويدا رويدا، ستصبح “أكوا” واحدة من مرجعيات الأعمال في المغرب، التي راكمت من خلالها أسرة أخنوش ثروة مالية ولحمة عائلية. وهكذا أصبحت “إفريقيا غاز” الفرع بعد أن كانت الأصل.
إنها المجموعة التي تضم اليوم إجمالي أصول يقدر بعشرات ملايير الدراهم. فالرأسمال التجاري لإفريقيا غاز لوحدها بلغ سنة 2008ما يفوق أربعة وثلاثين ملياراً وثلاثمائة وخمسة وسبعين مليون سنتيم، لاسيما بعد أن عددت المجموعة أنشطتها إلى جانب حليفتها المجموعة المالية "أكسا" لسلوى أخنوش: من قطاع المحروقات إلى العقار ثم التوزيع فالإصدارات والمساهمة في الاتصالات، وولوج عالم أفخم ماركات الموضة النسائية والرجالية من أبوابه الواسعة..
لقد استطاع عزيز أخنوش أن يقوم بأكثر من ضربة “معلم” في مساره المالي لحد الآن، أولا عندما اقتنى مجموعة “سوميبي” لصاحبها أمهال ليدمجها في مجموعته ويصبح رقم 1 بدون منازع في قطاع المحروقات بالمغرب، ومرة ثانية حينما عرف متى يغامر في الاستثمار في ميدتيل، وثالثا عندما اختار الوقت المناسب لينسحب منها ويبيع مجموعة من أسهمه في ميدتيل، دون أن يغادرها تماما، وكيف يبيع في الوقت المناسب نسبة خمسة وعشرين بالمائة من أسهم شركة “إفريقيا غاز” للإماراتيين كي يتخلص من الديون التي حصل عليها من “التجاري وفا بنك” لاقتناء “سوميبي”، وأن يلج عالم العقار، قبل فوات الأوان، ويستبق وزوجته ولوج عالم الموضة والأثاث..
يزعجه أولئك الذين ينفخون على حد قوله في جرة مثقوبة، وهم يهاجمونه، حينما يلمحون إلى أن الفضل في اقتناء أخنوش لـ «سوميبي» من أمهال، يعود بالدرجة الأولى إلى تعاون التجاري وفا بنك التابع للهولدينغ الملكي معه، حيث يؤكد :«هذا ليس صحيحا، البنك لعب دور الوساطة بين البائع والمشتري، لا أقل ولا أكثر. أنا ومصطفى أمهال اللذان اتفقنا على الصفقة، والبنك لم يقم بأكثر من تقييم الشركة موضوع البيع وتقريب وجهات النظر، ومنحي القرض الذي كنت قد تقدمت بطلبه. كل شيء مر حسب الأعراف المعمول بها في القطاع. إن بيتي من زجاج، وليس لدي ما أخفيه»
الإنسان هو اللبنة الأساسية في كل قصص نجاح الشركات، وعزيز أخنوش لا يشذ عن هذه القاعدة، حينما حمل المفاتيح عن والده أحمد أولحاج وزوج عمته واكريم، مستثمرا كل المدارك والتجارب التي راكمها في كندا:«شخصيا حرصت على إصلاح وإعادة هيكلة شركة “إفريقيا غاز” واستقطبت شبابا سهرت وإياهم على تحديث محطات البنزين وتوسيع نشاطاتها. مثلما انفتحنا على مشاريع جديدة في مجال التلكوم، والصحافة، وولجنا عالم العقار من خلال “مارينا أكادير”، بالإضافة إلى مشاريع اجتماعية في مراكش. نفس الأمر ينطبق على ميناء طنجة المتوسطي، إذ ساهمنا مع مؤسسة “مارسك” الدولية في مشروع تسيير الموانئ والشحن البحري.. ونحن بصدد الاستثمار في الملابس الجاهزة، وهو المشروع الطموح الذي تحاول من خلاله زوجتي دمقرطة الألبسة، وتوفير ماركات رفيعة المستوى بأسعار معقولة لقي تسويقها لحد الآن إقبالا كبيرا في المغرب..»
إذا كانت سلوى زوجة أخنوش ابنة عمه، وواكريم شريك والده الأساسي زوج عمته، فإن شبكة أفراد عائلته وفروعها المصاهراتية، لا تنتهي عند هذه الحدود.
عزيز أخنوش ابن رقية عبد العالي، شقيقة عبد الرحمان، أول وزير للأشغال العمومية في حكومة عبد الله إبراهيم، في بداية ستينيات القرن الماضي المؤلم، وهو (أي خاله عبد الرحمان بن عبد العالي دائما) زوج عائشة الغزاوي ابنة محمد الغزاوي المدير العام للأمن الوطني ومدير الفوسفاط وسفير المملكة في عدة دول، بالإضافة إلى أنه كان صديقا حميما لمحمد الخامس.
وعائشة الغزاوي زوجة خاله مرة أخرى، هي أم مليكة زوجة الأمير مولاي هشام، ابن عم العاهل المغربي محمد السادس.
باختصار، زوجة الأمير مولاي هشام هي ابنة خال عزيز أخنوش.
فهل الصدفة وحدها يمكن أن تفسر بعض المصاهرات والعلاقات العائلية؟ الجواب على لسان رجل الأعمال ووزير الفلاحة والصيد البحري، يأتي مقتضبا: «عائشة الغزاوي زوجة خالي عبد العالي، وابنتها مليكة التي تزوجت من الأمير مولاي هشام هي ابنة خالي. إنها الصدف لا أقل ولا أكثر.»
عزيز الأمازيغي أولا، والعارف بعالم التجارة والأعمال ثانيا، قبل أن يصبح من المقربين من فؤاد عالي الهمة، صديق ورفيق دراسة محمد السادس. لكن، حينما يفتح معه منير الماجيدي مدير الكتابة الخاصة للملك ومسير ثروة الأسرة المالكة، جسور الود، يرد بمثلها أو بأحسن منها، حتى حينما يشتد الصراع داخل المربع الذهبي بين الهمة نائب الملك في السياسة والماجيدي نائبه في المال والأعمال.
إنه حسب بعض المقربين منه، يعرف كيف يخرج ناجيا من تناقضات السياسة ومطباتها بأقل الخسائر، حتى في الحالات التي قد تقف فيها اختيارات المخزن بين بعض من خدامه أو بين أفراد العائلة الواحدة، عند مفترق الطرق.
اليوم أصبح من الصعب الفصل بين عزيز أخنوش السياسي ورجل الأعمال، بعدما تبين أن السياسة لا تقف بالنسبة له عند حدود رئاسة جهة سوس ماسة درعة، بل تمتد إلى كواليس الرباط وإلى شبكة العلاقات المعقدة مع رجال السلطة، وصولا إلى المربع الذهبي للبلاط، وإلى المساهمة في اختيارات المرحلة المقبلة.
“الهمة صديق، أنا أحترمه، وأؤمن بمقدراته السياسية، وأعتقد في مشروع قطبه السياسي. فحينما دعمت مرشح الأصالة والمعاصرة بتزنيت، لم يتقبل الإخوان في التجمع الوطني للأحرار ذلك بسهولة، لكنني مقتنع أن مصلحة منطقتي كانت تقتضي مني دعم هذا المرشح وليس ذاك..”
لا ثروة بدون سلطة، ولا سلطة بلا ثروة. إنها العلاقة المعقدة التي يلعب على حبلها عزيز أخنوش، وهو يزاوج بين إمبراطور الغاز ومنصب وزير الفلاحة والصيد البحري باسم التجمع الوطني للأحرار، وعضو المكتب الوطني للحركة من أجل الديمقراطية التي ارتبط تأسيسها بنزول رجل المرحلة من سيارة الداخلية، وركوبه قطار السياسة الذي لازال الفرقاء السياسيون عاجزون عن الجزم إن كان ركوب الهمة أمواج التحدي السياسي يغذي طموحه الشخصي، أم جاء بطلب من أعلى سلطة في البلاد لترجمة استراتيجية سياسية بعيدة المدى.
إنه يوزع الأدوار بينه وبين زوجته، ويرسم في صمت ملامح إمبراطوريته في المحروقات والعقار والإعلام والماركات الراقية.
كما يداعب كبار الحيتان وهو يدخل غمار العقار، مع الذين سبقوه في هذا المجال إلى ولوج البورصة، ويتنافس وعثمان بنجلون للظفر بقناة خاصة، وطبول الحرب قد دقت بينهما للتباري على أكبر وأنجح “مول” أو مركب تجاري في الدار البيضاء.