مباشرة بعد تعيين جلالة الملك محمد السادس، لعبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية، الفائز بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، رئيسا للحكومة لولاية ثانية اشرأبت أعناق كثير من الخلائق للوزارة، ومنهم قادة في أحزاب لم يكن في وارد توجهاتها أن تتحالف مع الحزب الإسلامي، لكن من أجل عيون الوزارات اختفت المواقف السابقة واختفت الإيديولوجية واختفى كل شيء ومدت الأحزاب يدها لبنكيران، ولم يعد مؤكدا من سيبقى في المعارضة سوى حزب واحد، أي الأصالة والمعاصرة، الذي لولا العداوة بينه وبين البيجيدي لشككنا في مشاركته.
الانتخابات، أيها السادة الحزبيون، تفرز أغلبية ومعارضة، وبما أن اقتراع السابع من أكتوبر أفرز حزبين قويين من حيث عدد المقاعد، فإن الأغلبية ينبغي أن تجتمع حول بنكيران الذي فاز حزبه بالرتبة الأولى، لكن من غير المقبول أن تصبح كل الأحزاب أغلبية.
الأغلبية اليوم عنوان واضح ومعروف. فاز الحزب المحافظ واليميني العدالة والتنمية بالرتبة الأولى، فعلى الأحزاب التي تنتمي إلى المحافظين أو قريبة من هذا الصف أن تدخل الأغلبية، لكن على الباقي ممارسة المعارضة سواء بالتحالف مع الحزب الأول في المعارضة أو منفصلة، لكن ليس مكانها الحكومة.
أن يدخل حزب الاستقلال إلى التحالف الحكومي المقبل فهو عين الصواب، باعتبار أن الحزبين ينتميان إلى مدرسة متقاربة وإن اختلفت المسارات باعتبار حزب الاستقلال ينتمي إلى السلفية الوطنية بينما البيجيدي ينتمي إلى السلفية المشرقية، ولما نقول التقارب في المرجعيات فهو ضرورة في عدم التعارض التشريعي.
ونرى من غير المنطقي أن يدخل حزب التقدم والاشتراكية مثلا للحكومة تحت أي عنوان، فمن جهة هو حزب تقدمي ولا يجمعه بالبيجيدي سوى الخير والإحسان، وإن كان التحالف السابق جاء نتيجة الولادة الأولى لأول حكومة بعد دستور 2011 فإنه اليوم مجرد ضرب للعملية السياسية وتمييع لها، وثانيا لأن التقدم والاشتراكية الذي تم منحه فريقا في الولاية السابقة تحت عنوان التقدم الديمقراطي لم يستحق تحقيق فريق برلماني رغم توفره على وزارات مهمة، وبمنطق الأصوات فإن الناخبين لم يصوتوا عليه بغض النظر عن خلفيات التصويت. إذن مكان هذا الحزب هو المعارضة.
الاتحاد الاشتراكي، الذي شن هجومات ضد العدالة والتنمية خفض اليوم صوته لأن أصواتا ترتفع داخله من أجل المشاركة في الحكومة، وبالتالي سيكون متناقضا مع أطروحاته حيث يرى نفسه في الصف الحداثي.
الذين يدفعون بمشاركة أحزابهم في الحكومة سيبررون ذلك بالمصلحة الوطنية وعنوان الكتلة التاريخية، ودعم التجربة الديمقراطية. لا تخافوا على التجربة الديمقراطية فلها ضامن أساسي هو المؤسسة الملكية، ولا تخافوا على بنكيران من تعثر تشكيل أغلبية فهي متوفرة بمنطق التقارب الإيديولوجي.
كل هذه المبررات واهية، والمبرر الحقيقي هو أن هناك قيادات حزبية ليس لها من شغل سوى "مهمة وزير" ينتظر متى يدخل الحزب للحكومة ليصبح وزيرا، ولا يهمه في النهاية المسار الديمقراطي للبلاد.