في كل ما قيل عن دموع بنكيران ،وهي دموع سياسية ،باعتبار مركز صاحبها ،وتوقيتها،ومنصة انهمارها غيثا مُغيثا؛ لم أجد أفضل رد إلا في "رجولة" نبيلة مونيب السياسية؛وهذا لا ينتقص طبعا من أنوثتها ،القوية أيضا، التي لطفت من هول التدافع التكتوني بين" اللامْبة والتراكتور"،كما يقول الناس في قريتي.
لو لم يكن الدمع بين قمع مضى وقمع آت – لا قدر الله – لمررت عليه مرور مُكْبِر ،أو على الأقل مُشفق ؛لكن الشكاء البكاء طالما قهقه ملء شدقيه،مُزريا بالمعارضة ،في برلمان تُفترض فيه الجدية ،ولو في الهزل.
وطالما خدش الحياء ،والأسر قائمة تنتظر،إن لم يكن إنصافا معيشيا،فعلى الأقل دروسا ،في فن الخطاب، لأبنائها ،من رئيس حكومتها الإسلامي.
فمن أين البُكاء اليوم؟
أمن الخمس العِجاف،من أعمارنا، اللواتي أمضاهن،هدرا ، في استرضاء المؤسسة الملكية – زيادة منه في مقتضيات الدستور، الذي حدد الاختصاصات كلها - بدل خدمة شعب ،قنوع أصلا؛تفعيلا للدستور إياه؟
أمن جحود لمسه لدى لوبيات المال ،حلالِه وحرامِه؛رغم سبقه العالمي،وليس المغربي فقط، في شرعنة الفساد - سكوتا وعفوا- نهجا للثروة ؟
أمن استكثار التدافع السياسي ،على أحزاب أخرى ؛وهو الذي يريدها –ويأسى حد البكاء ألا يُطاوَع في ذلك – استبدادية ،بمسمى شرع الله الذي لا شرعَ فوقه؟
علي أي فقد:
"بكى صاحبي لما رآى الدرب دونه **** وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلتُ لاتبكِ عينُك إنما **** نُحاول ملكا أو نموت فنُعذرا
ليت الرجل ،الهش اليوم،وفي خريف سياسته، حاول فقط نصف اختصاصاته،ووقف نصف رجولة،وقسا نصف قسوة ؛إذن لملك الأفئدة ،في هذا البلد الذي لغته الحمد والشكر،ولو مقهورا.
وليس بعد كل هذا الصخب ،وحتى الإبداع السياسي العاطفي ، إلا ال (هُنا والآن)؛ سوطا بيد كل صوت ،يُلهبُ به المواطنُ كل من يعاوده من نفس الجُحر .
ومن أين فوز جاندارك المغرب؟
لا تستكثروا التسمية ،فمردها إلى كوننا في وضعية انتخابية ،إقليمية ودولية ،أكثر منها وطنية.
ما هو داخلي في انتخاباتنا ،يكاد يكون تقنيا صرفا ،ومن اختصاصات وزارة الداخلية؛وهي مدرسة في هذا.
هو هكذا- فقط- لأن السياسة الهادفة والمناضلة ماتت في بلادنا،كما ذكرت في موضوع سابق:
"موت السياسي وميلاد الكائن الانتخابي": قتلها هذا الكائن ،ولم يخجل حتى من الإصرار على السير علانية في جنازتها .
نراهم بيننا ،في هذه الأيام،وغيرها، كائنات تمشي في منادبها ومناكبها ،وتأكل من رزقها.
ماهو خارجي فيها يسائل وضعنا بين الأمم الديمقراطية،وهي منا على مرمى صياح ؛وان كانت الثورة الرقمية قد جعلت الجميع يصيح في وجه الجميع – هنا والآن - بكبسة أخفَّ من الخِفة.
يصيح المنتظم الدولي ،وليس فقط المراكز المتخصصة في التقييم، في وجهنا ،ونحن ما فتئنا نخرب تعليما عموميا ،غنِمناه عن "ليوطي" - حتى يرتاح المُعلق النِّحرير، الرياحي - منارة في غاية الإتقان والإشعاع.
خربناه ونحن نزعم تعريبه ،وخربناه ألفا ،ونحن نزيح أبناءنا من طريقه ،في اتجاه تعليم خاص ،رفعنا ثمنه ،تشفيا ونكاية في أبناء الفقراء.
(كيف لانُلزم هذه المؤسسات الثرية ،ولو بنصاب محدود من التلاميذ الفقراء،تتولى أمرهم –مجانا – ردا لجميل دولة حابية ،في غاية السخاء؛دولة سرحت ستة عشر ألف أستاذ وأستاذة (16000)،ليتفرغوا للتعليم الخاص ،وهي في أمس الحاجة إليهم؟)
لم يفهم الطفل ياسين ،الذي يعرفه القراء ،بعد ،لماذا تنطلق سنته الإعدادية الأولى ،ب:-4؟ من الأساتذة طبعا.
يابني كيف تفهم عني أنها حكومة لا تشتغل إلا للشعارات ،و"القضايا الإسلامية الكبرى"؛ومتى شكل التعليم بالمغرب قضية كبرى؟
وأي تعليم خاص هذا الذي تستثمر فيه حتى لوبيات العقار والسمك ؛وخيرة أطر الوزارة تقتلهم رطوبة التقاعد ،والخوف – من توالي التهديدات - حتى على جريان المعاش،ولو مُحَرِّضا على التصوف؟
ولا نخجل أن نزعم أننا في أوراش إصلاح مفتوحة، منذ فجر الاستقلال.
وصياح على تخريب المنظومة الصحية الوطنية ،بعد أن ورثناها ،بدورها، منتصبة للاشفاء حتى في البوادي القصية.
أشهد ،في هذا المقام،وعن معاينة تزيد عن نصف قرن، أن الفيلسوف الفارابي ،أهلك الطبيب الفرنسي "موريس لوسطو" ضربا ورفسا ،بمدينة وجدة. غنمنا الصحة وَوَرَّثنا المرض ،رغم جهود الوزير الطبيب الوردي ،الذي يسعى إلى الفصل والصلح بين المتعاركين.
وصياح على تخلفنا في المريع في تنزيل "اقرأ" القرآنية ،رغم زعمنا أن بوسعها تدبير الدولة والأمة.
زمننا القرائي المغربي لا يتجاوز الثلاث دقائق في السنة. رغم تضحية مثقفينا وانقطاعهم للقراءة- طيلة اليوم - نيابة عن بقية المواطنين ؛فان النتيجة تظل صفرية،والهوة تزداد اتساعا ،لأن الفرض فرض عين ،وليس كفاية،يا حكومتنا الشرعية .
صياح على مديونيتنا الخارجية ،وقد قاربت الثمانين في المائة من الناتج الداخلي الخام ،حسب الخبراء.
لو نظرنا إلى هذا من زاوية معايير مستهل القرن العشرين ،لكان علينا أن نتوقع طرق أرتال المستعمر لأبوابنا.
في أقل من هذا ضاعت حريتنا،منذ أزيد من قرن ،واحترقت كل "مظاهر يقظة المغرب الحديث"،على حد عنوان الراحل ،البحاثة،محمد المنوني.
صياح دولي على تغلغل الفساد في مفاصل الدولة ؛وتغلغله أكثر وأكثر ،حينما خول رئيس الحكومة لنفسه صلاحية العفو. لو أنصف القضاءُ الوطنَ ،لألزم الرئيس بأداء كلفة هذا الفساد نقدا من جيبه.
هاهو الكونغرس الأمريكي يُخول للمواطنين الأمريكيين، المتضررين من الإرهاب ،مقاضاة الدول المعتبرة مسؤولة.
ألا نقاضي رئيسنا بجريرة العفو عن المفسدين؟
وصياح على الصحراء:
نسمعه اليوم وكأننا ندلي بالإرهاب والتهريب ،في حواضر صحرائنا ، وليس بالبناء والنماء ،المنتصبين للشهادة .
نسمعه حتى من جوارنا الأوربي الذي يعرف خرائطنا حق المعرفة ،ويعرف كيف غادرها ،وكيف أصبحت.
صياح لا يعني إلا أمرا واحدا؛بعد استغشاء المنتظم الدولي لمسامعه :
حرب الصحراء قادمة ،وعلينا أن نستعد لها ؛ومن الاستعداد تقوية مفاصل الدولة وعضلاتها السياسية والاقتصادية والحقوقية.
ويجب أن يعي جوارنا الأوروبي ماذا تعني هذه الحرب بالنسبة لعورته السفلى التي لم نتراخ في حمايتها ولو ساعة.
أبعد هذا نستكثر على نبيلة منيب – وهي التي ترافعت لدي الفيكينغ عن صحرائنا- أن تكون جاندارك المغرب ؟
لقد وجدتُ بين يديها - أنا المواطن اللامنتمي -– ،كما كل المتتبعين ،برنامجا دقيقا ،لا يستقوي بغير المنطق والبرهان: برنامج يراهن على ردود في زخم وقوة ما نُواجَه به من صياح دولي متواصل.
وأهم من هذا البرنامج، فهمها العميق لأسباب النزول في "تغريبة" اليسار المغربي. وإدراكها للمُحكم والمتشابه في مسار الدولة المغربية العميقة ؛التي بقدرما تسعى للبناء ،يضطرها البعض لملازمة قاعات الانتظار :
انتظار ماذا؟
و"ماذا يريدون منا؟" على حد التساؤل الملكي.
وفهمها ،خِلافا لليسار التقليدي الذي تبضع الهزيمة ،ربما بمحض إرادته، أن البناء يجب أن يتم بالمواد الأولية التي بين أيدينا:
نسبة الأمية ،نسبة الفقر،الفساد،انعدام الثقة ،مواطَنة في الإنعاش،تفسخ المنظومة التربوية.. إضافة إلى أمراض المحيط الدولي والاقليمي.
وغير هذا من العناصر التي تجعل كل ذي إخلاص وصدق وعفة، من الساسة ،وليس من الكائنات الصندوقية،يتمنى الهزيمة في الانتخابات، لينجو بجلده.
لا يقبل على مثل هذا الحَساء ،كما يعبر الفرنسيون،إلا من فقد حاستي الذوق والشم.
رغم كل هذا تُقبل نبيلة ومنيب ،وتعد بإصلاح لا ينتظر حبا ملكيا مجانيا ،لا ينص عليه الدستور – كما الشكاء البكاء – وإنما إقدام الجميع على ركوب سفينة ،في رحلة منذورة للعواصف ؛لكنها بربابنة أشداء على البحر،يضمنون وصول الجميع إلى مرافئ السلام ،والعبور الدائم صوب وطن يستحقه المغاربة ؛وطن لا يصيح أحد في وجهه.
سيدتي شكرا على تدفئة أفئدة المواطنين في هذا الصقيع السياسي.
وكم أتمنى أن تُرغمي - وزيرة - على الحكومة المقبلة ،مهما تلونت؛ ولو خذلتك أصوات السابلة التي نعرف.
إن حضورك بمنطق الذي يُقنع ،ولا يستعطف، فوز سياسي ،قبل الفرز الانتخابي.
رمضان مصباح الإدريسي.