كنا في هذه الصحيفة على وعي تام بالعملية الانتخابية وبضرورة المشاركة فيها بكثافة من أجل تحديد الاختيارات، وعندما كنا ننتقد الأحزاب السياسية، فليس ذلك نابعًا من توجه لإلغائها ولكن من أجل توجيهها ونقدها وتقويمها، ومن أجل مساعدة الناخب على الاختيارات، ولكن ليس من أجل مقاطعة الانتخابات.
ففساد بعض الأحزاب السياسية لا يعني فساد العملية الانتخابية ما دام هناك مؤسسة ضامنة لسير باقي المؤسسات بشكل جيد، ألا وهي المؤسسة الملكية، وما دام هناك وثيقة دستورية تؤطر العملية السياسية، أصرت على وضع مؤسسات مراقبة من خارج الرقابة البرلمانية، أي المؤسسات التي لا يمكن أن تنحاز لأغلبية ولا معارضة.
فعندما نصوت فلأن هناك ضمانات لسير المؤسسات ومراقبتها، طبعا مرت الخمس السنوات السابقة بشكل سيئ لكن هذا لا ينبغي أن يدفعنا للعزوف والمقاطعة، بل بالعكس ينبغي أن يدفعنا للتصويت بكثافة من أجل محاسبة الحكومة وأحزابها على خمس سنوات من التدبير.
كثيرون يرفعون شعار "لنقاطع"، لكننا نحن لا نقف عند حد هذه الكلمة.
فلماذا لا نقلب القاعدة؟ ويصبح شعار "لنقاطع" هو "لنقاطع ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات".
ومنبع هذه الدعوة الرغبة في تنبيه مقاطعي التصويت في الانتخابات التشريعية، التي ستجرى يوم غد الجمعة، إلى مخاطر عدم التوجه إلى مكاتب التصويت، للإدلاء بالصوت الانتخابي، من أجل تحديد الملامح الكبرى للسياسة العامة للبلاد، طيلة الخمس سنوات المقبلة.
عندما تقاطع الانتخابات والتصويت يوم غد الجمعة، وتكتفي بمراقبة الأقلية، التي تتشكل من الكتل الناخبة للأحزاب وهي تقوم بعملية التصويت، وتكتفي أنت بالتفرج والتهكم، تذكر أنك في الغد، ستجد نفسك ضحية طرف آخر لم تختره بمحض إرادتك، لكن له كامل الصلاحية ليفرض عليك اختياراته، وليس لديك الحق في الاعتراض عن ذلك، وحينما ستكتشف ذلك متأخرا، لن يكون بإمكانك تغييره، ولن يكون أمامك سوى الانتظار لمدة خمس سنوات أخرى.
وحتى لو كنت من بين الذين ابتعدوا عن السياسة، لأنهم لم يجدوا من هم في مستوى تطلعاتهم، إلا أن الأسوأ هو مقاطعة انتخابات ستحدد مصير البلاد والعباد، فبصوتك قد تساهم في قطع الطريق أمام كل من يسعى إلى الوصول بأي طريقة من الطرق إلى قبة البرلمان، حيث يرون فيها مجالا لقضاء مصالحهم وفرض اختياراتهم.
أمامنا غدا فرصة للتعبير عن اختياراتنا والتصويت على من نراه مناسبا، وحتى لو لم يفز الحزب الذي تريد التصويت عليه وترى فيه تطلعاتك، فأنت باختيارك ستساهم في صعود معارضة جدية إلى البرلمان قادرة على مراقبة عمل الحكومة، دون النظر إلى مصالح الأشخاص وبالتالي سنكون ربحنا معارضة جدية قد تصل غدا إلى رئاسة الحكومة وتحقق ما نريد.
لكنِ المقاطعون سيخسرون فرصة التعبير عن رأيهم وبالتالي لا حق لهم في الحديث بعد الانتخابات وسيستمرون في ترديد القصة الغريبة العجيبة وهي أن النظام السياسي لا يؤدي لانتخابات ديمقراطية.