ما كان لمشكلة الصحراء أن تكون لولا تدخل الجزائر في الشؤون الداخلية للمغرب ، وما كان لجبهة البوليساريو أن ترشح لولا الدعم الجزائري المفرط . كل العالم يعلم أن الجزائر ما كان لها أن تخلق البوليساريو داخل الجزائر، وأن تدعمه ماديا ومعنويا ودبلوماسيا وعسكريا لولا أهدافها الإستراتيجية التي سطرتها قبل 1975 . فالجزائر كانت تضع صوب أعينها الحصول على جزء من الكعكة ولو على حساب تاريخ المغرب . كانت تنتظر أن يهديها المغرب رقعة ترابية سال من أجلها لعاب النظام الجزائري العسكري التوسعي والاستعماري، والذي لم يقنع بما سرقه من التراب المغربي شرقا وجنوبا (الصحراء الشرقية)، فراح يبحث عن السبل التي تمكنه من الحصول على جزء يطل به على المحيط الأطلسي.
ورغم كل الإشارات التي بعث بها المغرب للنظام الجزائري ، وهو يقاضي وسائل الإعلام الإسبانية التي سقطت في الخطأ الشنيع ، بعدما أزلها شياطين الإنس عن الصواب ، فوسوسوا لها بأن الصحراء المغربية هي طريق الصلاح ، فنالت الخزي والعار من القريب والبعيد . لأنها ناصرت الشر على الخير ، ووقفت بجانب الجلاد وتناست حق المظلوم . فبإمكان المغرب أن يتابع الجرائد الجزائرية ووسائل الإعلام الجزائرية التي تنشر الحقد وتؤجج الكراهية بين الشعبين المغربي والجزائري. وهي تشعل النيران ، و تخرق مواثيق الأمم المتحدة الداعية إلى التعاون لحل المشاكل سلميا ، في ضوء المشاورات والمفاوضات . كل الصحف الجزائرية اتخذت المغرب كلازمة ، فهي تسب ملك المغرب تارة، وتسب حكومة المغرب تارة أخرى ، وتقدح في رموز المغرب وأحيانا حتى في شعب المغرب ، وهي التي لم تتجرأ يوما واحدا لتفضح عدوها الحقيقي إسرائيل على صفحات صحفها الشراقة .
ما يدعو للعجب هو أن يتخذ بعض الجزائريين قضية الصحراء مطية لبلوغ أهدافهم السياسية ، ففشلهم في إدارة المشاكل الداخلية ، ومحاولاتهم تجنب الصدام مع المؤسسة العسكرية التي تتحكم في المناصب الوزارية والغير الوزارية دفعت البعض إلى الإدلاء بتصريحات يتهم فيها فرنسا تارة ويتهم فيها المغرب تارة أخرى ، ويرمي كل ثقل المشاكل الآنية والمستقبلية على دول الساحل والصحراء.
في ندوة بالجزائر ، حذر وزير جزائر ي سابق ، كان في الأمس القريب يتهم النظام الجزائري بالفاشل في تدبير وتسير شؤون الجزائريين ، من " خطورة ما يطبخ في الساحل الإفريقي " معتبرا البوليساريو سببا من أسباب عدم الاستقرار في المنطقة . والغريب أن يأتي هذا التحذير من شخصية جزائرية تدرك تماما أن الجزائر هي من كان وراء ما يجري في الساحل الإفريقي لسببين : أولهما أن قبل التسعينات لم يكن هناك اسم القاعدة يتردد بالدول المغاربية ، وأن القاعدة بالدول المغاربية الاسلامية نشأت فقط بعد العشرية السوداء بالجزائر، وما تزال إلى اليوم. ثانيا ، أن الجزائر مرة أخرى هي التي طعّمت وجود القاعدة بدول الساحل بخلق كيان البوليساريو جنوب الجزائر ، وبذلك مكنت الجزائر البوليساريو من القاعدة ومكنت القاعدة من البوليساريو، ليتلذذ بعضهم ببعض . بل أصبح البوليساريو اليد اليمنى لمهربي السلاح والمخدرات والبشر. فعلى من يضحك النظام الجزائري إذن؟؟
ما يثير الشفقة على المسئولين الجزائريين تظاهرهم بأنهم العقلاء ، والآخرون عندهم يخبطون خبط عشواء . خصوصا عندما يطالب نفس الوزير السابق " فرنسا" بأن تأخذ موقفا أكثر عقلانية في تعاملها مع قضية الصحراء المغربية .حيث يذهب إلى حد مطالبة فرنسا " بالحياد" بل يتهمها بالتواطؤ مع المغرب . والسؤال موجه للنظام الجزائري وللسيد الوزير، لماذا لا تتعامل الجزائر مع قضية الصحراء بعقلانية هي كذلك ؟ فالمغرب جارها ، وبلد عربي ومسلم، والصحراء أرضه عبر التاريخ ، والصحراويون كلهم بالصحراء يعيشون بسلام في وطنهم ، فلماذا يريد النظام الجزائري نطح جدار الحديد ؟؟؟ ولماذا لا تكون الجزائر محايدة ، وتترك مفوضة الأمم المتحدة تقوم بإحصاءاتها ؟ ولماذا لا تحمي الجزائر كل الصحراويين الذين يريدون الرجوع إلى المغرب؟ ولماذا لا تكف الجزائر أيدي مخابراتها عن المغرب ؟
أما العيب كل العيب وهو أن يسقط رجل ذو تجربة سياسية في خطأ سياسي ، حين يطالب فرنسا بالحياد ويتهمها بالتواطؤ مع المغرب ، وفي نفس الوقت يدعو فرنسا للوقوف إلى جانب الشعب (بين قوسين الصحراوي) . وليعلم الجزائري أن فرنسا فعلت كل ذلك ، ووقفت بجانب الشعب الصحراوي المغربي ، ورفضت إيفاد لجنة تقصي الحقائق بالمغرب ، فقط لأنها احترمت القانون الدولي ، ولأن المغرب هو بلد ذو سيادة فلا يجب التطاول عليه من أي كان . هذا التناقض السياسي يحيلنا إلى تناقض سياسي آخر وقع فيه السيد الوزير الجزائري السابق، حينما طالب فرنسا بالتدخل وإيفاد لجنة تقصي في أحداث العيون ، وهو ونظامه لم يقبل في العشرية السوداء تدخل فرنسا في شؤون الجزائريين ، يوم كان القتل على أشده في الجزائر، وكانت الأرواح تزهق كل لحظة بالمئات . يومها نادت الجزائر بأن الشأن يومئذ هو شأن جزائري ، ولا حق لأمريكا ولا فرنسا ولا لأي بلد أن يتدخل لتقصي أحداث الجزائر بعد سرقة فوز جبهة الإنقاذ في الانتخابات البلدية . أحرام عليكم أن يتدخل غيركم في شؤونكم وحلال على أللآخرين؟؟؟ ماهذا المنطق الأعرج ؟؟؟؟
من بين الأضاليل ، والتنويـمـات التي تستخدمها الجزائر ، ادعاؤها بأن المغرب يطالب بالصحراء فقط من أجل أمنه ، ودوام الحكم الملكي ، وخروج أكثر من" متقول" بأن استقلال الصحراء لن يضر بالنظام الملكي ، وأنه سوف تكون هناك علاقة بين الدولة المغربية والدولة الوهمية المستقلة . والحقيقة أن الصحراء المغربية والثغور المستعمرة الأخرى هي ملك للشعب المغربي ، ولا يملك سواه حق التصرف فيما لا يملك . ومن تم فكل المزايدات والأحلام التي يرددها النظام الجزائري الحالي أو من يطمع بالالتحاق به ، هي خرجات شيطانية لا تمث للواقع بصلة . وما دمنا نناقش تناقضات النظام الجزائري ، فلا بأس من تذكير نظام الجزائر ومليشياته بأن القبائل الكبرى، لا تطالب بالاستقلال ،ولا بالتقسيم ولكن تطالب فقط بحكم ذاتي ، ومع ذلك النظام الجزائري يرفض هذا الطلب ، ويحارب بالنار والدخان كل من يردد الحرية في تيزي وزو . أما المغرب الديمقراطي ، فهو على الأقل أعطى للصحراويين حق تسيير شؤونهم بأنفسهم في إطار حكم ذاتي موسع، وهو ما لن يستطيع النظام الجزائري القيام به.
أما عن المفاوضات المثعثرة ، فالنظام الجزائري هو من يعمل على إفشالها ، وليس فقط على تعثرها ، وكل العالم يعي ذلك ، وكل الناس يعلمون ذلك . ولكن النظام الجزائري يظن أن أفعاله تخفى على الناس ، فهيهات !. فالنظام الجزائري يستفيد رغم كل الخسارة المالية ، فهو يستفيد لأنه يسيطر على دفة الحكم ، ومن يسيطر على دفة الحكم ، طبيعي أن ينوم الشعب وكل الفعاليات الحزبية الساعية للسلطة ، باختراع " شبح الحرب" . والسؤال هل الجزائر تريد فعلا قيام وحدة مغاربية؟؟؟؟ الجواب نعم ، لكن بعد نفاذ الغاز والنفط .
وخير ما نختم به ، تذكير سياسي لمن يسوس المسلمين بالمغرب العربي. نحن نتطلع بأن تحذف جميع الحدود بين البلدان المغاربية يوما، ونتطلع بأن يصبح المغربي العربي وطن كل المغاربيين، فليسكنوا أينما كانوا وليعملوا أينما يريدون ، إن أكرمهم عند الله أثقاهم. ونتطلع أن يصبح المغربي العربي كتلة صلبة تدافع عن حقوق أبنائها ، ونشجب كل تفكير، يسعى إلى اقتسام الأرض المغاربية لخلق مناصب سياسية لأي كان. ونستنكر بشدة ما يتشبث به بعض المحسوبين على النظام الجزائري الذين يسعون -بكل ما أوتوا -لنشر الفساد في الأرض ، وهم يناصرون النصارى والمجوس على المسلمين ، فقط لأنهم أحبوا السلطة والتسلط ، وكرهوا التشارك والتعاون على البر والتقوى .فلكل أولئك المفسدين نقول إن بعد الليل النهار، وما يوم ذهابكم لتستريح منكم الشعوب ببعيد. وليعلم أعداء المغرب أن المغاربة متشبثون بوحدتهم الترابية وعلى قول المرحوم أبا عمار، " فليشرب البحر من يحارب المغرب بكل الأشكال . وستضل الصحراء المغربية، مغربية إلى ما شاء رب العالمين وليس حكام الجزائر.
حفيظ بوقرة