سُئل عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بداية الأسبوع الجاري، عن إمكانية “تحالف”، أو “ائتلاف”، يجمع حزبه مع حزب الأصالة والمعاصرة في حكومة واحدة، في حال حَلّ حزبُه أولا في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فكان جوابه بعيدا عن القطع والجزم، قريبا من النسبية، قابلا للتأويلات. كان جوابه واقعيا بلغة السياسة، بعيدا عن “انتحارية” عبد العزيز أفتاتي.
السؤال كان واضحا، حتى وإن كان يدخل في إطار التخمينات، وربما الفضول السياسي. أما الجواب فكان فضفاضا، يمكن أن تفهم منه “لا” كما قد تفهم منه “نعم”، وقد تفهم منه “نعم” و”لا” في الوقت نفسه.
بدا الجواب سياسيا، مراوغا، مناورا، لا يفتح الباب لكنه لا يغلقه كليا، مع العلم أن باب ابن كيران، كما يعترف بذلك هو نفسه، إن أُغلق ظل مغلقا إلى الأبد، لذلك، ففي حالة البام، لا يمكن أن يُغلق الباب، لأن “العالم (السياسي) صغير”، ولأن الحزب اللي ما يْدورش كدية… مثل الرأس تماما.
حين سمع ابن كيران السؤال، وبالتأكيد لم تكن تلك المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة حتما، حاول أن يبدو كمن يقدم جوابا قاطعا جازما حاسما، فكان رده بما يفيد أن ما تُجمع عليه الأمانة العامة للحزب، في هذه المرحلة، هو أنه لا “التقاء” مع البام في الحكومة.
لكن، بما أن السياسة هي فن الممكن، وهي أيضا فن لتبرير غير الممكن، فإن الرجل الأول في “الحزب الأول” لم يقل إن اللقاء بين “المصباح” و”التراكتور” مستحيل، ولا قال إنه “خط أحمر”، بل اكتفى بالقول إن الإجماع قائم في الأمانة العامة حول عدم المشاركة في حكومة إلى جانب البام. وزاد: “هذا غير وارد”.
ولو توقف الأمر عند هذا التصريح لكانت التأويلات أخف، فقد أضاف ابن كيران عبارة أخرى، والعادة أن الرجل لا ينطق عن هوى، وحتى إذا كان المراقبون والخصوم يؤاخذون عليه زلات لسانه، فإنه، على ما يبدو، يختار “زلات لسانه” وتوقيتها.
ابن كيران أضاف إلى جوابه عبارة “والله أعلم”، وفي هاتين الكلمتين مفتاح لباب يبدو الآن مغلقا.
“الله أعلم” هنا تعني الكثير. تعني أن الباب المغلق الآن قد يفتح بعد حين. وتعني أن “غير الوارد” الآن قد يصير واردا بعد قليل. وتعني أيضا أن الخط الأحمر غير موجود. وتؤكد أنه في السياسة لا عداوات ثابتة ولا صداقات ثابتة، خصوصا إذا كانت هذه السياسة تحمل علامة “صنع في المغرب”.
هذا الأمر لا ينطبق فقط على البيجيدي، بل ينعكس على البام أيضا. قيادات هذا الأخير، وفي مقدمتها الأمين العام إلياس العماري، لم يسجل عليها أن اعتبرت “التحالف” مع البيجيدي خطا أحمر، ولا قالت إنه مستحيل.
إلياس العماري، مثلا، مثل ابن كيران، مع اختلاف الأسباب، كلما سئل هرّب الجواب، أو هرب به أو هرب منه، وغرق في التنظير، متحدثا عن الصف الديمقراطي، وعن المشترك وعن ما شابه ذلك، لكنه لا يقدم الجواب القطعي على السؤال الواضح.
وبغض النظر عن التقييم الممكن للحزبين، بمرجعياتهما وأهدافهما وطرق اشتغالهما، فقد صارا الرقمين الأساسيين في العملية السياسية في المغرب. لا البام سينكر قوة البيجيدي، ولا الأخير سينكر حضور الأول. أما المناوشات القائمة فليست غير طريقة لتدبير “الصراع”، وحتى معارك “تكسير العظام” قد تتلوها المفاوضات في حالة شعر كل طرف بأن الحرب مضيعة للوقت والجهد والمال فقط.
حان الوقت، ربما، لقليل من الحكمة من هذا الطرف ومن ذاك، لأن المغرب كله يدفع الثمن، ولأن البلاد، وأبناءها، في حاجة إلى ما هو أهم من تضييع الوقت في تبادل التهم.
قد يكون من المجدي للعملية السياسية المؤسساتية في المغرب أن يكون في الساحة حزبان كبيران (نستغل المناسبة للترحم على أحزاب كانت في الصف الديمقراطي تجر عربة الانتقال فتحولت إلى أحزاب الصف الثاني تجر العربة مع آخرين أو تتخيل أنها تفعل ذلك)، وحتى الصراع والتنافس مطلوبان، غير أنه لا بد أن يظل فوق الحزام لأن الضرب تحت الحزام قد يؤدي إلى عجز أو عقم (ديمقراطي) لا ينفع معه علاج.
لا بد أن يظل التنافس الحزبي في حدود اللياقة، وفي حدود المقبول، وفي حدود السياسة، فالمغرب في حاجة إلى كثير من التعقل، من كل الأطراف، لصيانة استثناء نادر، يبدو أننا نفرط فيه دون أن ندري، ونقامر به دون أن نعي بأننا نجازف.
على البام أن يتخلى عن خطابه تجاه البيجيدي، وعلى البيجيدي أن يتخلى عن خطابه تجاه البام، فلا حزب فيهما سيلغي الآخر، ولا حزب فيهما سيقصي الآخر، وما يحدث بينهما مجرد إهدار للوقت والجهد على حساب البلد ومصلحة البلد. معركة بين أشخاص، وبين حزبين، لكن الفاتورة يؤديها الوطن. التفاصيل واضحة، والحل: سلام الشجعان!
أن نسير نحو الديمقراطية متعثرين، أفضل من الوقوف مشدوهين أمام معارك تمنح الفرجة لكنها لا تغني ولا تسمن من جوع… ولا من ديمقراطية!
من يحمل غصن الزيتون إذن؟
رضوان الرمضاني
#مجرد_تدوينة