طقوس خاصة تحيط بها الأحزاب السياسية برامجها الانتخابية، فالتقديم يتم في فنادق مصنفة أو المقرات المركزية أمام نخبة صحفية منتقاة، والمنهجية تعتمد التبسيط الذي يساعد على الاستيعاب والفهم، وبدلا من المقاربات السياسية يتم التركيز على ما هو عملي وإجرائي، عرض للتدابير والأولويات، وربط بين الأهداف ووسائل التنفيذ.
يجعل ذلك أحزابنا تواصل الانتقال من البرامج الانتخابية السياسية إلى البرامج التدبيرية، مع ما يرافق ذلك من واقعية في الالتزامات ووضع سقف للطموحات يكون في حدود ممكنات المالية العمومية وما يستطيع الاقتصاد الوطني إنتاجه من ثروة. وبعدما كانت الأحزاب السياسية في زمن سابق توصف بأنها تقدم عموميات وبرامج غير قابلة للتنفيذ، صرنا أمام نوع من التقنقراطية الحزبية التي تتسلح بلغة الأرقام والإحصائيات.
وحدث تطور آخر مهم يظهر أنه تم استلهامه من التجارب الانتخابية المعاصرة، فبدلا من أن يكون البرنامج الإنتخابي حشوا من بالوعود التي تشمل كل المجالات من النظافة والسومة الكرائية حتى المستشفيات والوحدة الترابية وعجز الميزانية … دون القدرة على الإحاطة بكل ذلك خلال تشكيل الحكومات، أصبحنا أمام منهجية جديدة يختار فيها كل حزب أن يبني حملته الانتخابية على ثلاثة أو أربعة ملفات تحمل تسمية «الأولويات»، أي تلك القضايا التي تحظى بالاستعجال وفيها يتحقق الالتقاء بين أكبر عدد ممكن من اختلالات التدبير العمومي.
وقد كان لافتا للانتباه ما حرصت الأحزاب على أن تطبع به برامجها من سرية، فقد أعلنت في البداية عن خطوطها العريضة فقط، واحتفظت بالتفاصيل إلى حين الإعلان عنها في توقيت متزامن، كان الرهان من خلف ذلك هو القطع مع أحد إشكالات تجاربنا الانتخابية حيث يتم استنساخ البرامج وقرصنتها حتى تبدو كما لو أنها نسخ متعددة من نص واحد، والآن يعتبر كل حزب أن البرنامج هو تعبير عن هويته الخاصة وعن اجتهاداته التي ستجلب إليه أصوات الناخبين، وقد بلغ هذا الحرص مثلا بالاتحاد الاشتراكي أن قام بإجراءات التسجيل القانوني لملكية برنامجه الانتخابي.
ويلاحظ المتصفح لهذه البرامج أنها اجتهادات في التنفيذ لا أكثر، فهي تتم في إطار نفس الاستراتيجيات التي تم اعتمادها منذ سنوات، ما يعني أن أي حزب سياسي لا يستطيع عرض توجهات جديدة لسياسة الدولة، وهذا أمر مفهوم على كل حال، فالقرارات الاستراتيجية تكون مطبوعة بالاستمرارية ومفروض فيها الاستقرار، وهي في المتن الدستوري اختصاص يندرج في الحقل الملكي وليس الحزبي.
غير أنه لن يكون واقعيا الرهان أكثر على المنطوق الحرفي لبرامج الأحزاب وقياس مدى تقيدها به، ذلك أن فكرة البرنامج الانتخابي تتناسب مع الأنظمة الانتخابية القائمة على الثنائية الحزبية، حيث يستطيع الحزب الفائز بالانتخابات أن يستفرد بالسلطات العمومية التي تسمح له بتنفيذ برنامجه، أما في حالتنا المغربية، حيث تتشكل الحكومات من ثلاثة أو أربعة وحتى خمسة أحزاب، فإن ما تعرضه الهيئات السياسية هو أقرب إلى تصوراتها لقضايا التدبير العمومي منه لبرامج للتنفيذ، فهي في نهاية المطاف لا تتجاوز كونها عروضا للتحالف الحكومي لا غير.
وإن كانت الأحزاب المغربية قد طورت مقاربتها للبرامج الانتخابية، فإنها مع ذلك، لا تجعل من البرنامج وقود حملتها الانتخابية، إنها تعطي الانطباع كما لو أن البرنامج هو مجرد واجب قانوني يفرضه قانون الأحزاب السياسية، أما الحملة فتجري بخطاب آخر يقوم على الفضائحية وتسفيه الخصوم، ما يجعل البرنامج يجري عرضه على هامش الحملة الانتخابية وليس في قلبها، وذلك أكبر الإشكالات الحديثة في اختلالات مشهدنا الانتخابي الحزبي.