أصيبت الناس بالذّهول صبيحة 24 غشت 1939، فمنهم من تعجّب، ومنهم من استغرب وكفّا بكف ضرب، ومنهم من أُحْرِج وإضطرب، ومنهم من أصابته نوبة غضب، ومنهم من عجز عن إيجاد تفسير لهذا المطبّ.. قد يقول القارئ: « أسرع، أخبرنا ما الخطب، فلا تطيل انتظارنا يا هذا بهذا التّشويق المهيب ».. المصيبة كبيرة سيدي القارئ الكريم، حتّى لأن صحف ذاك الصّباح أضافت طبعة خاصة لطبعتها المعتادة، لأن الأمر يخرج عن العادة:
لقد وقّع « ملوطوف » وزير خارجية الاتحاد السّوفياتي الشيّوعي معاهدة تعاون وصداقة وعدم اعتداء مع نظـيره النازي « جٌواشيم ريبان طروب »، في موسكو بحضور « ستالين » فيما كان مصوّر « هتلر »، ويدعى « هوف مان » يأخذ صورة لأذن « ستالين » كما طلب هتلر لأنه إذا كانت شحمة الأذن متدلية فهو من أصل يهودي وإذا كانت مندفعة إلى الأمام فذاك هو المطلوب، فلما رآها « هتلر»، قال « لقد نجح ستالين في الامتحان، لكنه يعتمد فلسفة اليهودي الأكبر يعني « ماركس ».. وهذا معناه أن هذه المعاهدة مجرد زواج موافقة قد يتم فسخه..
كتب بوريس سوفارين صاحب كتاب « ستالين » في جريدة « الفيغارو » ليوم 24 غشت، مقالا قال فيه: « إن ستالين المتردّد والطمّاع بل الجبان يوقع أي شيء مع أي كان ».. فحذفت لفظة « فاشية »، من مقالات « البرافدا » وقد كانت تعني النازية تماما كما حُذفت لفظة « الظلامية » من جريدة « البيان » بعد تحالف « بنعبد الله » مع غريمه التّاريخي « بنكيران » هذا التحالف الذي احتارت في شأنه الأذهان وانطبقت عليه عبارة « سوفارين»: يوقع على أي شيء مع أي كان)، وقد ضحّى « بنعبد الله »، بحزبه ومبادئه، من أجل مصالحه الشخصية وأهوائه وحبه الغرائزي للكرسي فجالس أهل البيجيدي فتطبّع بطباعهم وصار متأثرا بمزالقهم وآخذا بتأويلهم ومتناسيا أنّ خلق البيجيدي في الأساس كان من أجل ضرب الحزب الشّيُوعي الملحذ، لكنّ « بنعبد الله » كان يبرر هذا الزواج اللاشرعي بخدمة الوطن لكنه نسي أنه تحالف مع شخص لا يؤمن بالوطن طبقا لعقيدته وأنه حتّى الحديث حب الوطن من الإيمان يعتبر غير صحيح بل كاذب أو موضوع..
كان « ستالين » يقول دائما (من الصّعب خداع الرفيق ستالين)، فقال المؤرخون بسخرية: (لقد وجد من خدعه)، وكانوا يعنون « هتلر».. لقد خدع العريف المغمور « هتلر » الرفيق « ستالين » الذي سبقه إلى السّلطة وتتلمذ على يد « لينين » ونهل من « دفاتر فلسفته » لأستاذه ومع ذلك خدع وأرسل المعارضين للإتفاقية إلى معتقلات « سيبيريا» بتهمة إشاعة أجواء الحرب مع السيد « هتلر»، وهو ما حصل للزعيم الشيوعي « بنعبد الله »، الذي رغم أنه ترعرع في أحضان الحزب، ونهل من فكر ( ليون سلطان ) مؤسس الحزب وتتلمذ على يد الراحل «علي يعتة»، وجاء للسياسة قبل بنكيران، وله في الميدان تجارب لا تنكر فإن بنيكيران تلميذ ابن تيمية الظلامي ويفتقر لأي تجرية سياسية أو حزبية فإنه خدع زعيم الحزب الشّيوعي وأغراه وجعله من المقربين أمام استغراب الملاحظين وصمت المناضلين الحزبيين وهم يرون حزبهم يقدم هدية (للخليفة بنكيران)، الذي كان يتهكم ويغمز ويلمز، ويعتمد خائنة الأعين نكاية في الشيوعيين الحربائيين..
لقد كان « ستالين » بليدا إذ كيف يتحالف ويثق بصداقة « هتلر» الذي خصص فصلا كاملا لروسيا في كتابه « كفاحي » ووعد بتدميرها واعتبرها مجالا حيويا للجرمان؟
ثم كيف ينسى « بنعبد الله »، الزعيم الشيوعي، ما يظنه بنكيران الوهّابي بكل الشيوعيين وكيف يكفّرهم، ثم يستخدم « التّقية »، إذ يبتسم لهم وقلبه يلعنهم؟ ومع ذلك تقاسموا معه إخفاقاته، وساهموا في جرائمه ضد الشّعب واليوم يشاركونه مزالقه اللّفظية ويعتمدون مصطلحاته في تعليقاتهم الإعلامية ويؤكدون تهمه الواهية.. بعد صدور بلاغ الديوان الملكي استضافت قناة "2M" السيدة نزهة الصقلي من حزب التقدم والاشتراكية للتعليق، لكنه تعليق جاء متأخرا جدا بعد صمت كان صمت عجز أو صمت ر ضا على ما كان … هذا يذكرني بموقف « طورّيز» زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي في الثلاثينيات وصاحب الخطابات الحماسية، فقد صمت عند تقرب ستالين من هتلر، لا بل إن « ستالين » هنّأ «هتلر» بعد إحتلاله لفرنسا ولم يجرؤ شيوعي واحد على انتقاذ الزعيم إن « بنعبد الله»، يا سيدتي « الصقلي»، قد تخوّض فيكم طبقا لمصالحه الشّخصية لا بل استغباكم، لا بل استخدمكم لأغراضه وخفتم من انتقامه فيما هو لا حول ولا قوة له إلا بكم أيها الرفاق، ألم يوجد فيكم طيلة خمس سنوات من يقول له: « إلى هذا الحدّ وكفى»،؟ ثم ما يدريكم أيساري هو حقا أم لا؟! دخل جماعة من الصُّحفيين إلى مكتب (صدّام حسين) فوجدوا عنده عشرات الكتب حول « ستالين » فسألوه: « هل أنت شيوعي أيها القائد »؟ فكان جوابه: ( ومن قال لكم إن « ستالين » كان فعلا شيوعيا؟…