لاحظت هذه الأيام أن حملة"زيرو كَريساج" ركزت بشكل كبير على أداء الأجهزة الأمنية و أهملت العوامل التي تؤدي إلى صناعة المجرم.فكما هو معلوم فإن كل طفل يولد على فطرة سليمة و المجتمع هو من يوجهه في أن يكون إنسانا خيرا أو ضارا.وهذا ما يجب التركيز عليه في معالجة الظاهرة عوض إلقاء كل اللوم على الأمن المغربي.فبدون شك فإن المقاربة الأمنية هي جزء من معادلة الحل و لكنها تبقى غير كافية لعدة اعتبارات ولا أعتقد أنها ستنجح لوحدها في الحد من الآفة.
أولا، يشكل الإدمان على التدخين والمخدرات المحرك الأساسي لعدد كبير من هؤلاء المنحرفين مما حدا بهم إلى امتهان السرقة لاقتناء علب السيجارة و المخدرات.فنظرا لضعف التأطير الأسري و الاجتماعي وجد هؤلاء الصبية أنفسهم تائهين في ملكوت العبثية و القدوة السيئة وغياب النموذج الناجح في بيئتهم مما فتح أعينهم على تجريب أمور ضارة بصحتهم و عقولهم و التباهي بها لإثبات ذواتهم ولفت الانتباه .فلسوء الحظ، يساهم التدخين في تضمير الذات البشرية و تكديس المستشفيات بالمصابين بأمراض سرطان الحلق و الرئة. ولا جدال أن التدخين يقود إلى هلاك البشرية وينبغي أن يعاد النظر في هذه التجارة الضارة صحيا و اقتصاديا. ولسوء الحظ فإن عدد كبير من الفقراء ببلادنا مدمنين على التدخين.
ثانيا، ضيق الأفق نظرا لانتشار الجهل و الأمية و العنف و غياب المنطق و التوازن الفكري وحضور الرذيلة في بعض الأوساط.فبعض الأبناء ترعرعوا في أسر غير عادية لا يحس فيها الفرد أنه إنسان كباقي أقرانه.فمثلا قد يكتشف أنه ابن زنا أو أن أمه تمتهن الدعارة و ما يسببه ذلك من معاناة لأفراد تنتهي أحيانا بالانحراف و محاولة نسيان الواقع المر. والنتيجة يصبح الابن أكثر إقبالا على شرب الخمر واستعمالا المخدرات للهروب من واقعه إلى واقع آخر. وما يحتاجه هؤلاء هو تأطير نفسي لمواجهة واقعهم المعاش.فالمطلوب أن ينتبه الأفراد المدافعين عن الحرية الجنسية إلى عواقب تصرفاتهم.
ثالثا، غياب الوازع الأخلاقي لدى الأفراد وجهلهم الكلي بالمبادئ الحميدة وسيطرة النزعة الفردية والمادية في بعض الأسر. حيث تجد البعض جاهل تماما بتعاليم الدين الإسلامي ولا يعرف السبب الذي خلقه الله تعالى من أجله.فالبعض يحتاج إلى تعليم ديني يساعده على تخطي مصاعب الحياة والتخلي عن النزعة المادية والغنى السريع والذي بدونه يسقط في الممنوعات والنزوات الشريرة التي تكون عواقبها وخيمة.إضافة إلى طغيان الأنانية في المجتمع والتقوقع على الذات وليذهب الجميع إلى الجحيم وليعيش الفرد لوحده في الكون.ومع الأسف قلت النصيحة في المجتمع بكل أنواعها و سيطرة النزعة الفردية و هذا يتناقض مع جوهر الدين الإسلامي الذي يدعو إلى التعاون و مد اليد للضعيف.
إن الحل لا يكمن في تكديس السجون بالمعتقلين لأن السجن ليس حلا ناجعا نظرا لحالات العود و إنما الحل يكمن في اختراق بنية المجرم الفكرية وإصلاحها وإخضاعها إلى برامج غسل الدماغ وبناء وعيه من جديد وفق منظور اجتماعي سليم وفتح باب الأمل لدى الأفراد لتنمية أحلاهم في العيش بكرامة ورفاهية عبر العمل الجاد وإتباع طريق الحق.فغالبية هؤلاء المنحرفين لا يعرفون ماذا يريدون في الحياة ويغيب لديهم الحلم الفردي في الرقي والتفوق في الحياة .وينبغي كذلك التركيز على الأجيال الصاعدة حتى لا يكون هناك إنتاج معاد للمنحرفين.ونستطيع أن نقلل من الإجرام في المجتمع باتباع مقاربة شمولية وقائية تجمع ما بين ما هو تربوي واقتصادي و أمني في إطار الوقاية من الانحراف.و السؤال الذي يطرح في هذه الظرفية هو ما هي الحلول التي تراها الأحزاب السياسية المغربية مناسبة للقضاء على الإجرام بالمغرب و التقليل من نسبة الجريمة؟وهل تعتمد هذه الأحزاب على نتائج مراكز الدراسات المغربية و الدارسات الأكاديمية في التعاطي مع المشاكل الاجتماعية؟ وهل يقتصر دور القطاعات الحكومية على الاستئناس ببعض الاستشارات الاجتماعية أم يتعدى ذلك إلى برامج عملية ذات فاعلية ملموسة؟
كما أن تقوية التربية الروحية لأفراد من شأنها أن تحد من العديد من المشاكل الاجتماعية.ويمكننا في هذا الباب إنشاء مؤسسة خيرية دعوية وطنية للتربية الروحية تابعة لوزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية ودعم انتشارها في العديد من المدن المغربية وتشجيع الانتماء لها و التطوع لخدمتها مادام أنها تهدف إلى تربية الأفراد،تضاف إلى المجهودات القيمة التي تقوم بها الوزارة في هذا الباب.ويمكن أن تسد الفراغ الحاصل وتلعب الدور المكمل للمسجد و المدرسة. وينبغي أن تكون ميدانية و هذا ما هو غائب حاليا لتكون صلة وصل بين العامة و النخبة الدينية المغربية.وأن تعمل تحث إشراف السلطات المحلية لتربية الأفراد تربية روحية سليمة حتى تتقوى مناعتهم ضد الانحراف و الاختراقات الدينية و العلمانية الأجنبية.و نحتاج حاليا لاستهداف الفئة التي لا تذهب إلى المسجد لأنها هي الأكثر هشاشة و لديها القابلية للانحراف عن المسار الصحيح الذي ينبغي أن يكون عليه المواطن.وإذا كانت الإمكانيات المادية لا تسمح فقد نعمل على تغطية جزئية للتراب الوطني و نفتح باب التبرع لصالح هذه المؤسسة الوطنية التي ستعنى بالتربية الروحية للمغاربة و تحصينهم ضد الانحراف والتي تكون غايتها المساهمة في إنشاء مواطن مغربي متوازن روحيا ومحصن ضد التيارات الفكرية المنحرفة و التيارات الدينية المنافسة للنموذج الديني المغربي.