نداء إلى :
الدولة المغربية، إلى الحكومة، إلى الاعلام، إلى العلماء، إلى رجال التعليم، إلى الأحزاب، إلى النقابات، إلى الجمعيات، إلى الأسرة والرجل والمرأة…إلى الشعب المغربي.
تطرقت في كتاب "صناعة الإرهاب" لواقع إعلامي مثير، محبط ومنفر، لم نتفطن لآثاره السلبية المدمرة على مجتمعاتنا، وأخص بالذكر المنظرين للسلم الاجتماعي وللأمن الوطني للبلدان الإسلامية، ويهمني هنا أمر بلدنا الحبيب، المغرب في زمن كل التحديات. تطرقت إلى هذا الجانب الخطير من عوامل بناء سلم وأمن المجتمعات الإسلامية العربية وتثبيتهما (أو تهديمهما) من الجانب الديني فقط، حيث أوضحت أن الإعلام المرئي، الأكثر تأثيرا في عقول الناس، مر بثلاث مراحل جد متباينة، منذ بداية البث التلفزيوني أواسط القرن الماضي؛ كل مرحلة تفترض مبدئيا، ومنطقيا، أن يبادر المسؤولون عن الأمن الديني (كما قلت سالفا) والأمن العام للبلاد (كما سنرى) على تغيير استراتيجياتهم الإعلامية والأمنية وتفكيرهم تغييرا يتلاءم ويتماشى مع خصوصيات كل مرحلة ومتطلباتها وإكراهاتها. وإليكم هذه المراحل الثلاث باختصار، كما سبق أن نشرت ذلك :
1- المرحلة الأولى تمتد من أواسط القرن العشرين إلى 1990 (نهاية الثمانينات وبداية التسعينات) وتتميز بالأجواء الإعلامية المرئية المغلقة، حيث يتحكم كل بلد في نوعية الاعلام الذي يريد تمريره، أي في السياسة التي يريد نهجها؛
2- المرحلة الثانية تمتد من 1990 إلى 2005، وتتميز بعولمة البث التلفزيوني الفضائي، بحيث لم تعد هناك أية حواجز تمكن الدول من التحكم في المواد الإعلامية وتأثيراتها على أفراد المجتمع؛ خلال هذه المرحلة أصبح العالم قرية صغيرة تروج فيه الأخبار والمواد الإعلامية بسهولة؛
3- المرحلة الثالثة تمتد لما بعد 2005،تميزت بالانتشار الغير مسبوق للعديد من وسائل الاعلام الفردي، متمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي البالغة التأثير، من قبيل "الفايسبوك" (ظهر 2004 وتعمم استعماله في 2006)، و"اليوتوب" في 2005، ثم "التويتر" في 2006، وأخيرا الواتساب سنة 2009.). تمثل هذه المرحلة أخطر تحد بالنسبة للمنظرين والمخططين الأمنيين (الأمن بمعناه الشامل، الأمن "الروحي" والاجتماعي والوطني بكل تشعباته)، بحيث انتفت كل الحواجز ولم يعد لأية دولة أدنى وسيلة للتحكم في المواد الإعلامية التي يتم تداولها والتعاطي معها بكل دقائقها وتفاصيلها عبر كل أنحاء الوطن (في المدينة والقرية والدوار، في السهل وفوق الجبل)، بحيث أصبح العالم عبارة عن مجال مفتوح (وليس قرية)، كساحة "جامع الفنا" بمراكش. وعليه، فمن يحسن تجميع الناس حوله (في حلقات مستديرة) يكن له موقع قدم في هذا المجال، ومتى أخفق في ذلك ينصرف الناس عنه، فيكون هو قد أضاع موضع قدمه لصالح من يحسن التنميق والتزويق والبهرجة.
ركزت فيما قبل (كتاب "صناعة الإرهاب") على خطورة المجال الديني وكيف يجب العمل على تحصين أبنائنا حتى لا يصبحوا قابلين للاختراقات الخارجية، خاصة أيديولوجية التشيع الصفوي التكفيرية للمسلمين (أهل السنة) التي تجر في سياقها تنامي التيار الجهادي السني الذي يقوده شباب حماسي يفتقدون للبضاعة العلمية والفقهية الضرورية اللازمةالتي تصوب أقوالهم وأفعالهم، فحدوا حدو الروافض في تكفير المسلمين وقتلهم (العلم والفقه الذي لم نعلمهم إياه وتركناهم يتسولون على أبواب الفضائيات الموبوءة أو على أبواب من يتخذونهم شيوخا داخل البيوت المغلقة، في غياب من يعلمهم دينهم النقي في واضحة النهار، كما أكدت على ذلك في كتاب "هل القرآن محرف أم الله لا يعلم"). فكل ما يحدث سببه جهلنا التام بإكراهات المرحلة الثالثة التي تنتفي فيها الخصوصيات الدينية لكل قطر، إن كانت هناك خصوصيات (وليست هناك قطعا أية خصوصيات) كما يحلو للمسؤولين عن الحقل الديني عندنا التأكيد على ذلك من دون أن يحسبوا أي حساب لخطورة ما يروجون له. الشباب المسلم، حتى وإن انحصرت بضاعته العلمية الفقهية، فهو يعلم أنه ليس هناك إسلام سعودي وإسلام موريتاني وإسلام تونسي وإسلام تركي وإسلام مغربي (كما نردد من دون التفطن لخطورة ما نقول)، بل هناك إسلام سني واحد، أقصى ما يمكن القبول به هو وجود المذاهب الفقهية الأربعة المعتبرة، من دون تحوير ولا تنميق ولا تزييف ولا تحريف. هذا باختصار ما تطرقت له بهذا الخصوص في الباب الثاني من كتاب "صناعة الإرهاب". أما، وكما قلت أعلاه، فإن خطورة المرحلة الثالثة لا تنحصر فقط في خطورة الحقل الديني، بل تتعداها إلى كل الميادين (الأمنية، التربوية والتعليمية، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية،...)، بحيث أصبح أمن الدول مخترقا تماما، فلم يعد هناك مجال لتمرير ولو أدنى فكرة، ولو خبرا بسيطا، من دون أن يتم نشره وتشريحه وتداوله والتعليق عليه وتأويله وتحويره، والنفخ فيه أو التنقيص من شأنه، مع ما يحدثه ذلك من بلبلة وتشويش في عقول الشباب (الذين فرطنا في تربيتهم وتعليمهم كيف يفكرون ويفهمون) وهو ما يؤثر بعمق في أفكارهم وتصرفاتهم الانفعالية...
فكما أوضحت في كتاب "صناعة الإرهاب"، فإن الخطير في الأمر أن الغرب والشرق (الدول الصليبية كما كانت تعرف من قبل، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي بوش حين صرح بأنها حربا صليبية قبل أن يموهها وينعتها بحرب على الإرهاب في بداية هذا القرن، في 2001) خططوا لما بعد فترة الاستعمار المباشر (خرجوا حينما تيقنوا من الهزيمة المحققة في آخر المطاف) لمعاودة الكرّة بالهجوم على الدول الإسلامية، العربية منها على الخصوص، لكن من خلال سيناريو "هتشكوكي" (Hitchcock) محبك ومحكم. هذا المخطط، يلعب فيه الشيعة الروافض الصفويون (أتباع آل البيت!أو ليس آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام أتباع سنته؟) دورا محوريا في تدمير أرض المسلمين (السنة، أتباع الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم) بمن عليها، بحيث يعمل مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة (والمنظمات التابعة لهما) على تهيئة الأوضاع والظروف المواتية للتمكين لإيران والميليشيات المجرمة التابعة لها جماهيريا وشعبيا. نعم، يتم التسويق لإيران إعلاميا كدولة عدوة للغرب، مارقة (محور الشر أمريكيا، والشيطان الأكبر، إيرانيا)، لا تعير للقانون الدولي أي اهتمام ولا لحقوق الانسان (إعدام المئات من السنة في إيران والعراق سنويا تحت مسميات شتى، واضطهاد وإذلال من لم يعدموا، تحت أنظار الأمم المتحدة)، ولا للقرارات الأممية، وأنها تحدت أمريكا وتصنع القنبلة النووية، وأنها تدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية التي تحارب "إسرائيل"، الخ. في المقابل، اقتضى السيناريو المحبك أن تظهر الدول العربية (خصوصا)، حليفة وصديقة أمريكا والغرب أمام رأيها العام، كعميلة، حكامها منصاعون، ينفذون إملاءات أسيادهم ويطبقون إملاءاتهم المباشرة أو التي تصدر عن الأمم المتحدة في شكل قرارات ملزمة. هذه القرارات هدفها، على المدى البعيد، إفقاد الحكومات العربية الهيبة والمهابة والشرعية أمام شعوبها ليسهل اختراقها على كل المستويات، خاصة على المستوى الديني من طرف عقيدة الشيعة الروافض الحاقدين على أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان، والذين يراد لهم التمكين في الأرض لكي يقضوا على أهل السنة، على الإسلام. فهم يعملون على الأرض كجنود مرتزقة، نيابة عن الجيش الروسي (المكبل بعقدة حرب أفغانستان) والجيش الأمريكي (المكبل بعقدة حربي أفغانستان والعراق) والإسرائيلي (الصهيوني) الذين يشكلون لهم الغطاء الجوي المرعب لتسهيل تحرير سوريا والعراق من أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان، والحبل على الجرار كما يقال("صرحالجنرال محمد علي فلكي، أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، يوم 19 غشت 2016 بتشكيل جيش التحرير الشيعي (تحرير ماذا ومن؟)المتعدد الجنسيات تحت قيادة الجنرال "اللغز"!قاسم سليماني، الذي يعمل تحت المظلة الجوية الأمريكية – الروسية - الاسرائيلية)؛
فرضت على الدول "الغير مارقة" (الصديقة؛ المذعنة للإملاءات الأمريكية - الغربية، أي الممتثلة للقانون الدولي) أنماط من الأنظمة السياسية والاجتماعية والتنظيمات والتكتلات، وكذا الكثير من القوانين من طرف المنتظم الدولي الذي يرفع سيف نهج الديمقراطية كمنهج للحكم والسلوك وكآليات للعمل بالموازاة، مع الالتزام الحرفي بمقتضيات حقوق الانسان كما تعرفها منظمة الأمم المتحدة، خاصة منها حقوق الأقليات (الباب الخلفي للتدخل في شؤون الدول التي يراد زعزعة أمنها). الديمقراطية وحقوق الانسان، الكل يصفق، "ماذا يريد الشعب" (قولة فرنسية)؟ الديمقراطية تقتضي تكوين الأحزاب بكل ألوان الطيف (على أسس أيديولوجية، عرقية، مذهبية، طائفية ودينية)، أي العمل، ذاتيا، على بلقنة المجتمعات، خاصة في الدول المتخلفة حيث قد تجد بالبلد الواحد عشرات الأحزاب، كل حزب بما لديه يفرح. والديمقراطية تقتضي كذلك تفريخ الجمعيات كمكونات للمجتمع المدني، تسهم في التنمية الاجتماعية؛ جمعيات لها الحق في الارتباط بالعالم الخارجي المصحوب طبعا بالإملاءات والاختراقات، لاستجلاب الإعانات المادية والمساعدات التقنية الميدانية، وما إلى ذلك. كما أن الديمقراطية تقضي تفريخ النقابات المرتبطة بالأحزاب كممثلة ومدافعة عن حقوق الشغيلة (إنزال البلقنة على أرض الواقع). والديمقراطية تقتضي أيضا احترام حقوق الانسان، خاصة منها ما يبلقن المجتمع (النفخ في الانتماءات العرقية) وكذا الأسرة (من قبيل أيديولوجية "حقوق المرأة" في ألا تبقى امرأة، وكذا أيديولوجية "حقوق الطفل" المجانبة للمنطق السليم، وكذا أيديولوجية "النوع الاجتماعي" التي تقتضي تربية البنت لتلعب دور الرجل وتربية الطفل ليلعب دور المرأة، مكان مقاربة "النوع البيولوجي" الطبيعية، حيث الرجل رجل، والمرأة امرأة والحقوق مضمونة للجميع في دولة القانون. ثم إن الدمقراطية تقتضي أن يطلق العنان لسحرة الإعلام لينفثوا سمومهم وليعملوا على تثبيت أسس البلقنة، بل والدفع بها إلى حدود التفسخ والتفتت والتحلل والانحلال.
بلقنة المجتمع والدفع بالأحزاب إلى التناحر والتناوش والعراك باستعمال كل الوسائل (حتى الدنيئة منها، التي تحط من قدر الدولة وهيبتها أمام أفراد المجتمع الذين تفرقت بهم السبل ولم يعودوا يثقون في أي شيء)، وكذا الدفع بمكوناته العرقية للتخندق والتشاحن والتناوش، زيادة على بلقنة الأسرة (نواة المجتمع) والدفع بمكوناتها إلى التشاحن والتطاحن والتنابذ، وكذا إحداث شتى أنواع الثقب في نسيج المجتمع عن طريقة الجمعيات المتعددة الولاءات والاملاءات؛ كل هذه المداخل والمسارات التي تم تأمينها مع مرور الزمن، تمثل أقصر الطرق وأسرعها للوصول بالسلم الاجتماعي والأمن الوطني إلى حافية الهاوية. فهذا ما تم التخطيط له من طرف من فصّلوا كثيرا من القوانين الدولية الموبوءة؛ من طرف من حسبناهم حكماء البشرية، رواد الحرية وحقوق الانسان والرفق بالحيوان وحماية البيئة...، ضُمّان حق الأقليات على حساب ضياع حق الأغلبيات. حسبت الدول العربية هؤلاء حكماء وسلمتهم مفاتيح بيوتنا وأتمناهم على أمن بلداننا، لكنهم سرعان ما نقضوا غزلهم، كل غزلهم، فكشروا على أنيابهم ليدخلوا البشرية في دوامة من الأحداث المرعبة، نتج عنها ظهور رعب مضاد، تم استغلاله واستثماره في زيادة وتيرة الأحداث المرعبة والرفع من حدة رعبها؛ أفعال وردود أفعال، ضغوط فانفجارات، فضغوطات أشد مولدة لانفجارات أقوى وأوسع نطاقا، وهكذا دواليك.
في هذا الخضم، وفي هذه الأجواء الموبوءة، تم تسخير آلة الاعلام المضللة العابرة للقارات وللحدود للزيادة في زعزعة استقرار المجتمعات المستهدفة، التي سبق أن تم استهداف عوامل المناعة فيها بالتدريج قصد تدميرها. و بالموازاة مع هذه العولمة الإعلامية، عرفت هذه المجتمعات تفاعلات صنفي الاعلام المتناقضين تمام التناقض على كل المستويات؛ الإعلام الرسمي الذي لازال يعمل بأسلوب ما قبل التسعينات من القرن الماضي، من حيث التعامل مع المواطنين، أسلوب أكل عليه الدهر وشرب (النعامة التي تخفي رأسها في الرمل)، والإعلام الجماهيري الشعبي الذي هو من صميم المرحلة المتقدمة، المرحلة الثالثة (لما بعد 2005). كل الخطر والأخطار تكمن هنا، إعلام جماهيري لا تخفى عليه خافية، يفضح كل شيء ويكشف عورات كل شيء (الأشخاص والأحداث والأشياء..) في مقابل إعلام رسمي "دينصوري" يزيد الطين بلة حين يعمل، في كثير من الأحيان، على تجميل ما هو قبيح وتقبيح ما هو جميل، قصد تنميط السلوك الثقافي لأفراد المجتمع وتوجيهه الوجهة المقصودة التي تفرضها القرارات الأممية الموبوءة. لم يستوعب الإعلام الرسمي بعد أنه لم تعد هناك لا مقدسات ولا أسرار ولا هيبة ولا خصوصيات ولا طابوهات ولا مخفيات ولا منسيات، فقد أصبح كل شيء عاريا، منكشفا، تتقاذفه وسائل الاعلام الجماهيري المخترقة لــ"جدار الضوء" في سرعة انتشارها وتأثيرها؛ فما يريد حرثه الاعلام النمطي التقليدي الرسمي، يدكه الاعلام الجماهيري دكا ويبطل سحره، بل يقلب السحر على الساحر كما يقال.
لن أطيل أكثر لأتوقف عند بعض الأمثلة لبعض المواد فقط، التي يتداولها الإعلام الجماهيري الشعبي في الأيام الأخيرة، والتي لها وقع مزلزل على نفسية المواطن وشعوره ونظرته للأمور ولمحيطه ونظرته للدولة وللمسؤولين. نفسية المغربي اهتزت مؤخرا واضطرب شعوره بسبب تداول وسائل الاعلام الشعبي لقرار "تكريم خدام الدولة" (حتى أصبح كل واحد يقدم نفسه كخادم للدولة، ومن حقه ذلك)، زيادة على مادة" تقاعد الوزراء والبرلمانيين"، في مقابل إعادة النظر سلبا في تقاعد الموظفين(الذين يبدو أنهم "ليسوا خدام الدولة" كما تردد وسائل الاعلام الجماهيري). مثل هذه الأمور، وغيرها، المثيرة للتساؤلات يتم النفخ فيها لتخلف استياء عارما بين المواطنين (في المدينة والقرية، في السهل والجبل)، علما أن هناك الكثير من أمثال هذه المواد المتداولة التي تؤثر سلبا في الإحساس بالانتماء الوطني للأفراد. كما أن المواطن العادي تفرقت به السبل، داخل وطنه، وتاه بين خنادق تطاحن الأحزاب فيما بينها واستعمالها لكل الأسلحة، حتى المحرمة أخلاقيا واجتماعيا ووطنيا (من قبيل نشر كل ألوان الفضائح وافتعال بعضها وهتك أعراض الناس وما إلى ذلك من المخربات للحمة الاجتماعية والوطنية) المدمرة لهيبة الدولة في أعين الناس. وأما "ماكينة" الاعلام الرسمي المتجاوزة في نهجها، فلا تزيد الطين إلا بلة وقابلية للانزلاقات بتغريدها خارج السرب تماما، بل بعملها على إرساء أسس كشكول حداثة عبثية فلكلورية، مستوردة من مجتمعات لا تجمعنا بها أية أسس حضارية ولا ثقافية، بل مستوحاة من مسلسلات تلفزيونية هدفها إحداث انتكاسة أخلاقية واجتماعية عميقة عبر العمل على قلب مفاهيم الجنس والأسرة والمجتمع رأسا على عقب.
بلادنا، مغربنا، ذو الحضارة الإسلامية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ (من دون نسيان الأندلس التي يعتز بحضارتها حتى الاسبان الذين ينسبونها لهم) والتي أثمرت من العلوم والصناعات والاكتشافات ما غير وجه الحضارة الأوروبية والإنسانية تبعا لذلك، يوجد في عين العاصفة من خلال أجندة موبوءة عملت على جدولة الأحداث المدمرة التي يتعرض لها العالم الإسلامي، العربي منه على الخصوص. فكما قلت في كتاب "صناعة الإرهاب"، فإن المغرب وتركيا على الخصوص (حيث أوضحت قبل سنتين، أن تركيا توجد في الحلف الأطلسي نظريا، لكن إيران هي التي تنتمي إليه عمليا)، ينظر إليهما بعين الريبة والحظر؛ فقد تحرك المارد التركي (العثماني)، ولازال المارد المغربي شاردا، ومتى استيقظ من سباته فلن يؤمن خطره (السعودية هي كذلك في عين العاصفة بسبب وجود الحرمين الشريفين بها وتشددها في تثبيت أسس التوحيد الخالص على أراضيها). هكذا ينظرون إلينا كمغاربة وأمام أعينهم مسلسل الأحداث التاريخية العظام التي لا تفارق ذاكرتهم (والتي لا نعلم عنها إلا النزر القليل)، فهل من وقفة صريحة مع الذات تؤمن لنا، بداية، إعادة النظر جذريا في منظومتنا الإعلامية اللاهية العبثية، وكذا في كيفية تسيير شؤون مجتمعنا ووطننا اليومية (في كل الميادين وعلى كل المستويات)، ناهيك عن إعادة النظر في منظومتنا التربوية والتعليمية المتهالكة، كما أن علينا مراجعة أولوياتنا (تطلعاتنا وطموحاتنا)، وإعادة النظر في تصرفاتنا وتعاملاتنا، على ألا ننسى الاستثمار في إصلاح علاقتنا مع بعضنا البعض (أفرادا وجماعات وأحزاب ونقابات وجمعيات وعرقيات) على أسس سليمة لإصلاح ذات بيننا قصد تقوية جبهتنا الداخلية في مواجهة الأطماع الخارجية المحدقة.
اتهام الأمين العام للأمم المتحدة للمغرب باستعمار صحرائه، بعد أكثر من 40 سنة من المماطلة والمراوغة الدولية، وكذا افتراءات وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص حقوق الانسان، بحيث تؤكد ممارسة المغرب للتمييز ضد الأمازيغ وتفقير مناطقهم وتقدم تقريرا أسود لمجلس النواب الأمريكي بهذا الخصوص، وكذا التطاول على أمور يعلمون أننا نعدها من المقدسات الوطنية، وما إلى ذلك من الاتهامات التي تفوح منها رائحة محاولة زعزعة المغرب رغم التزامه، كالتلميذ المجتهد، بكل القرارات والقوانين المفروضة عليه (من قبيل التصديق على مقررات مؤتمر بكين للمرأة الموبوءة المخربة للمجتمعات، وما إلى ذلك من الاكراهات) من طرف هذه المنظمة التي أصبحت فاقدة لمصداقيتها أمام الشعوب، بحيث أضحت منبرا لفرض الاملاءات المجحفة على الدول التي يراد زعزعة أمنها ونهب خيراتها. فلم يعد هناك أدنى مجال للمراوغة، ولا حفنة رمل لإخفاء الرأس حتى تمر العاصفة، ولا موضع قدم لشعار "كم من حاجة قضيناها بتركها"، ولا محل للإعراب لمقاربة "فرق تسود" (على كل المستويات)، ولا حتى الحلم باللعب على تناقضات الدول المكونة لمجلس الأمن (لأنهم متفقون تماما بخصوصنا)؛فلا إمكانية إلا للاعتماد على أنفسنا. فحتى الدول العربية والإسلامية المستهدفة التي فكرت في التحالف فيما بينها للتخفيف من الضغوطات، بل الهجمات الخارجية، عليها قد تم عزلها عن بعضها البعض عبر إشغال كل بلد بالهموم التي عملوا على زرع بذورها والعناية بها حتى اشتد عودها وتجدرت جذورها، بحيث لم يتفطنوا لها إلا بعد أن دارت بهم الدوائر.
ندائي الحار إلى المغاربة، كل المغاربة، أن نتوكل، بادئ البدء، على ربنا ونعمل بما يرضيه؛ فعلينا ألا ننسى أن الحرب التي تشن ضدنا حرب دينية عقدية؛ فالجيش الروسي الذي استنجدت به إيران في حربها التحريرية بسوريا جاء بمباركة الكنيسة الأرثدوكسية التي وصفت هذه الحرب بالمقدسة، كما أن الجيش الإسرائيلي يحارب من أجل إقامة الدولة اليهودية (من دون مسلمين ولا مسيحيين)، وأن الرئيس الأمريكي بوش قد أطلق شرارة الحرب الصليبية من أفغانستان (إنها الحروب الصليبية كما نطق بها يوم أحداث 11 سبتمبر 2001 اللغز، ليدشن هذا القرن بما قاموا به خلال القرون السالفة من محاولات للقضاء للإسلام والمسلمين). ولهذا، فعلينا أن نعمل بجد ومثابرة على إعادة دوران عقارب الساعة في الاتجاه الصحيح، عملا بآليات وأدوات بناء جبهة داخلية قوية، متماسكة متراصة، قبل أن تداهمنا الأحداث الجسام المتسارعة التي تتعاظم ككرات الثلج المتدحرجة، أو ككرات النار التي تلتهم كل شيء في طريقها.
أ. د. عبد الله لخلوفي