يمر موعد انتخابي ويحين آخر. تمر سنة انتخابية وتأتي أخرى. نسمع وعودا ونستعد لأخرى. بعد استحقاق يجيء آخر. وبعد “استحكاك” يأتي آخر.
نصرف الكثير من المال. نَطبع ملايين الأوراق. نقدم آلاف المرشحين. نُعد عشرات القوانين. تَظهر وجوه، وتختفي وجوه، وتستمر وجوه.
كلام الليل الانتخابي يمحوه النهار الحكومي. وتبدأ الحكاية، وتنتهي، بـ”زرود” لصلة الرحم (الانتخابي).
مئات اللقاءات. آلاف الوعود. خُطب هنا وهناك. إذاعات وتلفزيونات وصحف ومواقع. تعددية. كوطا. تقطيع وتَقاطيع. لوائح. منافسة. صراع. جدل. نقاش. حروب. قيامة. جْري عليّا نْجري عليك.
هكذا هي الانتخابات عندنا. ضَرب وجَري مُفضيان إلى… الصوت.
الانتخابات عندنا توافق عنيف يتسبّب في.. مقاعد مستديمة!
لا شيء (تقريبا) يتغير. إلا اليوم والسنة.
في الموعد الموالي، مثل السابق، السيناريو هو نفسه. كأنها مجرد لعبة. كلام في كلام. معدل النمو. نسبة التضخم. الميزان التجاري. الادخار. شعار هنا وشعار هناك. ولا فرق بين حزب وحزب إلا بالشكوى.
الانتخابات عندنا بالنيات. ولكل حزب (شيء من) ما نوى.
ويستمر التعليم أميا. وتظل الصحة مريضة. أما الشغل فعاطل. والقدرة الشرائية عاجزة. والاستثمار مُقامرة مغامرة. والمواطنة مجازفة. والقضاء قدَر. والكرامة إشاعة. والإدارة شبح. والثروة عند الأقلية، والمطلوب من الأغلبية الفقيرة المحتاجة أن تُزكي، وأن تتفهم، وأن تشارك، وأن تدعم، وأن تنتصر لهذا على حساب ذاك.
كأنما الأحزاب تتنافس لخدمة شعب آخر، وليس لخدمة شعب، أو جزء من الشعب، صوّت لها وعليها. أعطاها الأصوات فردت له الصوت “نخال”. ما أن تصل إلى مبتغاها، أو جزء منه، حتى تجتهد في تقديم الأعذار، وتنتظر من هذا الشعب التفهّم والصبر.
الصبر كيدبْر يا سادة، وقد “دبر” أكثر من اللازم، فيما البعض “دبّر” على نفسه وكفى.
نحن البلد الوحيد الذي تنتظر فيه الأحزاب من الشعب أن يدافع عنها، وأن يحميها.
هذا هو منطق الاستثناء المريض!
كل مرة نتحدث عن موعد تاريخي. عن عرس. عن منعرج. عن مرحلة حاسمة. عن ممر مفصلي.
نستعمل الكلمات الغليظة الدّسمة. نتفنن في ذلك. نبدع. هذه هوايتنا. ويتفق الجميع. المرحلة تاريخية، فلا بد من التعبئة. هيّا بنا. هبّوا. يدا في يد. والنتيجة: كلام في كلام، لنكتشف جميعا أن الفاعل الحزبي الحقيقي في هذا البلد هو السماء. إن جادت علينا بالمطر ارتفع معدل النمو وانتعشت الخزينة، وإن شحت عانينا وقرأنا اللطيف.
هل نصوت على المطر؟ صلاة استسقاء بخشوع أفضل من الإنصات إلى زعماء أحزاب من على منصاتهم.
ويتكرر السيناريو في المحطة الموالية. هي الأخرى ستكون تاريخية ومفصلية وحاسمة و… يستمر الكلام. يستمر الحلم، لعله يتحقق ذات يوم.
الحلم بسيط للغاية. لا تطرف فيه ولا مبالغة. نُخبة سياسة نظيفة نزيهة مقتدرة، ممثلة للشعب حقا، بلا إفراط ولا تفريط.
نخبة أياديها أطول من ألسنتها، تقول ما تفعل، وتفي بما تَعد.
نخبة تحب الوضوح أكثر من لغة التوافق والكواليس.
نخبة تلجأ إلى الشعب في سراء جنَتها وضراء أصابتها، وليس فقط حين تشعر بأن في القضية “إن”.
نخبة “قد فمها قد ذراعها”.
نخبة تؤمن بأنها هنا لخدمة الشعب، وليس لخِدمة مصالحها.
هذا هو المفتاح، وبعدها ننظر إلى ما تبقى.
“سابع أكتوبر 2016″، على ما يبدو، لن تكون محطة مختلفة عن سابقاتها. المؤشرات كثيرة.
رغم البهارات الزائدة، والنار الزائدة، فطَعم الوجبة لن يختلف بالتأكيد.
في المقادير كثير من الصراخ، وكثير من الضجيج، وكثير من الجدل الفارغ، وكثير من الحروب حول التزكيات، وكثير من الترضيات، وكثير من “المقربين أولى”. وكثير من “الغاية تبرر الوسيلة”، وكثير من الوهم للبيع، وكثير من التنظير…
وأمام هذا الكثير، هناك قليل من الواقع. وهناك قليل من الأمل. وهناك قليل من الانتظار.
يحدث هذا أمام شهية حزبية مفتوحة على التهام أي شيء، وبأي شيء. نَهم حزبي غير مسبوق نحو المقاعد، ونحو المناصب، ونحو الوزارات.
هذه الشراهة الحزبية قد تتسبب في تعقيد حالة “عسر الهضم” (الديمقراطي) عندنا. إن حدث هذا لن تنفع المشروبات الغازية، ولا الزعتر، للتنفيس. البطنة (الحزبية) لا تذهب الفطنة فحسب، بل تذهب الديمقراطية أيضا.
هذا هو الخطر، فلنصوت جميعا على حزب المطر…