لم تعد لحزب التقدم والاشتراكية أية علاقة بتاريخه، إذ حوله نبيل بنعبد الله إلى دكان انتخابي يوزع التزكيات كما توزعها الأحزاب الوسخة المعروفة بممارسات بعيدة عن أي رهان ديمقراطي، وجعل أطره ومناضليه يشعرون بالغربة وسط حزب لم يعودوا قادرين على التعرف على ملامحه وتمييزها عن ملامح الأحزاب الزبونية التي لا تستوعب الأيديولوجيا ولا المثقفين والأطر.
ولتحصين موقعه والاستقواء على رفاقه، قام محمد نبيل بنعبد الله بعملية تعويم للحزب وسط زبناء لاتربطهم به أية علاقة، وصنع منهم هيئة تقريرية تتكون من ألف شخص كي يتحكم في الحزب- والتحكم هنا له معنى- كي يضيّق الخناق على معارضيه ومنافسيه من مناضلي وأطرالحزب الشيوعي السابق المعروفين، والدفع بهم إلى باب الخروج أو الهامش.
ومن المقارقات أن بنعبد الله لم يكن ليتأتى له ذلك لو لم يقِم في وقت سابق علاقات من نوع خاص مع من يتهمهم اليوم بالتحكم، حيث عمل على الاستقواء بهم وفتحوا له باب الوزارة والسفارة قبل أن تسوء علاقته بهم بسبب نزاع تافه بين امرأتين ذات حفل حول كرسي وما خلفه ذلك من أحقاد وضغائن.
بنعبد الله وجد في بنكيران مظلته للعودة إلى الوزارة، وعول عليه ليحميه حتى يتمكن من الاستمرار فيها، رغم فشله الذريع الذي لايضاهيه إلا فشل صاحبه في جعل رئاسة الحكومة تتقوى بالدستور؛ ومن أجل ذلك انجرّ إلى خطاب الإسلاميين وجعل نفسه في خدمة أجندتهم بلا تريّث ولاتمييز وجعلهم طرفا داخل حزبه مؤثرين في قراره وتوازناته الداخلية بشكل لم يسبق له مثيل في العلاقة بين حزبين، فأحرى بين حزبين مفروض فيهما أن يتعايشا داخل ائتلاف حكومي، جاء في ظروف خاصة، لايترتب عليه تذويب المسافة الإيديولوجية الفاصلة بينهما. فالمفروض أن التقدمي، إذا كان تقدميا بقناعة وليس بحساب مصلحة، لايعاضد الظلامي ولا يبني معه حلفا استراتيجيا يعرف أن أفقه هو فرض الظلام والانقلاب على كل ماهو تقدمي بالأساس.
هذه مقدمات أساسية تجعلنا أبعد ما نكون عن النظر لما يواجهه بنعبد الله خارج سياقه.. بنعبد الله لعب في المربعات كلها من أجل نفسه ومصلحته الخاصة، وكان دائما مستعدا لرهن التقدم والاشتراكية لمن يضمن له الوزارة ومنافعها الكثيرة، التي تقربه من الثروة والجاه، وبعد ذلك لاشئ يهمه، فلا يكذبن علينا أحد ويزعم مع الزاعمين أن الرجل يمكن أن يتحول إلى شخص آخر له مبادئ يدافع عنها باستماتة واستعداد للتضخيات التي يتطلبها النضال من أجل ديمقراطية حقيقية قائمة على تأهيل المواطن وتمنيعه ضد التلاعب، وعلى مؤسسات قائمة على أساس اختيار شعبي حر، لا تؤثر فيه السلطة والرشاوى ولا شعوذة قوى الرجعية والظلام، في إطار فصل السلط وتوازنها. ففاقد الشئ لا يعطيه.
بنعبد الله حول التقدم والاشتراكية وجمع فيه مالايجتمع وأفقده الهوية بشكل نهائي، فكيف يزعم أنه ضد شبيهه؟ هناك أشخاص يقودهم الهرج والمرج إلى التحول إلى آلات دعائية في يد الإسلاميين ولايقومون بربط النتائج بمقدماتها.
أمام كل هذا، على ذوي النيات الحسنة والحريصين على أن يربح الشعب المغربي غذا رهان الديمقراطية والتقدم ويتحاشى الردة التي ترتسم في الأفق، سواء فاز العدالة والتنمية أو لم يفز، ويتجنب المغامرات الحمقاء والفوضى والابتعاد عن الفخاخ المنصوبة في هذه الأيام، والانتباه إلى دور الكتائب المسخرة التي تحاول بيع ساروت 20 فبراير التي لاتملكها، كي لانخلق أبطالا من كارتون ولا يختلط علينا البقر.
في المغرب هناك اختيارات أخرى غير الاختيار الذي يريدون حصرنا في دائرته الضيقة. وعلى المواكنين ان يصوتوا على أشخاص قادرين على تعديل الكفة من أجل مغرب حداثي ديمقراطي بعيدا عن الظلام وكل من يريد إرجاع المغرب إلى الوراء..
شخصيا، وكما أعلنت عن ذلك سابقا، اخترت أن أدعم فيدرالية اليسار مع الرهان على المستقبل وأدعو كل الأصدقاء إلى تمكينها من الولوج إلى مجلس النواب بعدد مهم من المناضلين الذين يمكن أن يؤثروا كما أثر المناضل الكبير محمد بنسعيد وأثار قضايا حقوق الآنسان والحريات والفوارق الطبقية وتحدث عن المسكوت عنه، وفضح المعتقلات وعلى رأسها معتقل تازمامارت سيّء الذكر...
نجيب كومينة