"هاد الكلمة ديال شهيد" أصبحت ملزمة بالاستراحة قليلا في وطننا بعض الشيء. بمجرد أن يسقط منا أي واحد يصبح فجأة شهيدا إلى الدرجة التي تجعلنا بالفعل نطرح السؤال إن كنا نريد أن ننافس فلسطين في اللقب العالمي الذي تحمله باسمها والذي يخص رقم وعدد الشهداء الذين يسقطون كل يوم حاملين هذا الوصف وهذا الشعار.
ابتدأ الأمر من المرحوم كمال العماري في آسفي وانتهى إلى الراحل الحسيني ببني بوعياش, وبين الراحلين اصطف محمد بودروة هو الآخر على الصف لكي يحمل لقب الشهيد, دون أن نجلس قليلا أرضا لكي نسائل لفظ الشهادة هذا الذي لم يعد الكثيرون منا يترددون في إطلاقه على كل الراحلين.
من الناحية النظرية لابأس, كلنا شهداء على هذه الأرض, والمغاربة المساكين الذين يموتون في مستشفيات ياسمينة بادو يوميا ببطء شديد, وهم ينتظرون الدور لكي يؤدوا ثمن الموت عبارة عن "سكانير خاسر" أو "راديو لايصله الضوء", هم أيضا شهداء, بل هم الشهداء.
المغاربة الذين يسقطون يوميا على طرقات غلاب بعد المدونة التي لم يعد أحد يتذكرها, والتي يبتسم الشرطي والدركي والسائق حين الحديث عنها إثر كل مخالفة تنتهي بالتوافق الانتقالي بين هاته الأطراف كلها حول عشرة أو عشرين أو خمسين درهما في الغالب الأعم, هم أيضا شهداء بامتياز.
بل حتى المغاربة الذين يموتون "من الفقصة" وهم يشاهدون برامج التلفزيون المغربي الغبية, أو الذين تنهار أعصابهم فجأة و"كيهبط ليهم الطانسيو أو كيطلع" عندما يذهبون إلى البقال أو الخضار ويكتشفون أسعار مواد البقاء على الحياة, فيقررون الوفاة لعجزهم عن تحمل كل هذا المصاب هم أيضا كائنات تستحق أن توصف بالشهيدة.
والمغاربة المساكين الذين يلقون حتفهم على أيدي القرقوبي أو محاولات السرقة الصغيرة والمضحكة, والتي تتحول إلى كوارث فعلية على أسر تفقد أبناءها في حوادث غير صالحة للوصف طالما أنها تفتقد كل منطق في كل تفاصيلها, أليسوا شهداء هم الأخرون؟
من هذه الناحية لا إشكال. كلنا شهداء في الختام, والله يرحمنا كاملين. لكن المشكل يبدأ بالفعل حين تتحول هذه الكلمة إلى محاولة لنقل صراعات خارجية نراها على شاشة التلفزيون إلينا. هنا يبدأ الإشكال فعلا, وهو إشكال يصبح وقحا حين يتعلق بعائلة هؤلاء الراحلين التي تريد أبناءها فقط واحترام ذكراهم وعدم الكذب عليهم , ولا تريد أي وصف من هاته الأوصاف التي يريد بها البعض أن يأكل لحم الميت وأن يجعل منه رسما تجاريا للمزيد من التأليب للشارع.
هنا بالفعل تفقد الكلمة معناها, ويصبح من اللازم مساءلتها ومساءلة مطلقيها حول الهدف الحقيقي منها, وحول المراد من كل هذا الهراء الذي أصبح يحيط بنا من كل جانب في هذا البلد الآن.
بالعربية تاعرابت ومن الأخير, هل يريد من يطلقون هاته الأوصاف إقناع المغاربة أن النظام يقتل الشعب مثلما يقع في سوريا واليمن أو مثلما كان يقع في ليبيا؟
إذا كان هذا هو المراد, فالكذبة صعبة التصديق بالفعل, وهي أكبر من أن تتركنا محايدين. احتجاجاتنا التي انطلقت منذ عشرين فبراير لم تشهد ماشهدته احتجاجات هذه الدول, والقمع الذي تعرضت له في وقفات ومسيرات معينة هو قمع أدانه الكل في حينه لرغبتنا جميعا في عدم اللعب بالنار في هذا البلد وإًصرارنا على إبقاء الأشياء سلمية حتى آخر الأيام. الأمور واضحة للغاية, والشعب المغربي يعرف جيدا الفرق بين مايقع في الدول الأخرى وبين مايقع في بلده.
هنا تقوم القائمة ولا تقعد حين تسيل دماء من رجل أو يد محتج في الرباط أو البيضاء أو غيرهما من المدن المغربية, ويصرخ الجميع متسائلا عن سبب "كل هذا العنف" أما في الدول التي يريد البعض التشبه بها, فالقصف المدفعي يقابل أصوات المطالبين بالحرية, والنتائج لهذا القصف نسمعها يوميا عبارة عن أرقام محزنة في قنوات الفضاء العربي المفتوح على كل الجنون.
هنا يقف الشباب وغير الشباب أمام مقر المخابرات مطالبين بفتحها أمام العموم, ومرددين اتهامات خطيرة في حقها, وحين تمنعهم الدولة وتفرق الوقفة بشكل عنيف يصرخ الكل محتدا ومتسائلا عن الجهة التي أعطت الأمر للتفريق العنيف لأننا _ نكررها مرة أخرى دون ملل _ نريد جميعا للوقفات والمسيرات السلمية أن يسمح بها وأن لايكون هناك أي داع لتفريقها بالعنف أو الضرب أو الأمور التي لم يعد المغربي يقبل بها نهائيا.
في الدول التي يستورد لنا منها الإخوة كلمة "الشهيد" الكاذبة هاته, يقف الديكتاتور من أعلى برجه مطلا وقيادته العسكرية على الجموع, يفقد أي إحساس أو شعور بالانتماء لهؤلاء الناس الصارخين أمامه, ويعطي الأمر بكل قسوة دالة "نار", تنزل على رؤوس الناس فتدك منازلها, وتخطف أرواح ساكنيها, لذلك لاتشابه ولا تشبيه من فضلكم.
هذا النقل الحرفي للتخلف القائم اليوم في الشرق على الظلم والديكتاتورية والقتل, وهاته الألفاظ التي يرددها بعضنا بكل الغباء الممكن دون أن يفهم معناها, مثل البلطجية والشهداء وغيرها من كلمات هذا الشرق المريض, هي صناعة شرقية يجب أن تظل هناك.
حنا خليو لينا هاد البلاد بحال اللي عرفناها ديما, نختلف حول كل الأشياء ونتفق عليها, ونتفق على ما هو أهم من هذ الاتفاق: أن لانسيل دما مغربيا واحدا هكذا هباء ولوجه هذه الرغبة العربية الجماعية في الجنون...
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
بالحكم على عادل العثماني المتهم الرئيسي في تفجيرات أركانة بالإعدام يكون ملف هذه القضية الدامية التي هزت المغرب قد أقفل, خصوصا وأن البعض حاول جر المغاربة إلى نقاش غريب يروم التشكيك في كل ماوقع, ويريد أن يخلق بلبلة لا معنى لها لفائدة جهات مجهولة, ولأغراض غير واضحة نهائيا.
عائلات الضحايا اعتبرت الحكم عادلا لأنه يعيد لها بعضا من الارتياح وإن كان غير قادر على أن يعيد إليها أبناءها, والمغرب بدا من خلال فتح هذه المحاكمة أمام الجميع غير خائف من تسرب أي معلومة حولها وهذه مسألة تحسب لبلدنا بشكل كبير.
نتمناها آخر الأحزان في هذا المجال.
المختار لغزيوي