الحرب بين الجرائر والمغرب - لا قدر الله - قد تكون فوق الأراضي الموريتانية لأن واقعا تاريخيا وجغرافيا قد تأسس في المنطقة رويدا رويدا وعلى مدى 40 سنة ، واقعا صنعه حكام الجزائر بنذالتهم وخستهم ونيتهم المبيتة في تأبيد الصراع مع المغرب وتأبيد معاناة ساكنة مخيمات تندوف ، وليس هناك لا مناصرة الشعوب و لا كهف الثوار ، كل ما هنالك هو إصرار حكام الجزائر عنوة على تأبيد التخلف في المنطقة المغاربية وعلى حساب تنمية الشعب الجزائري نفسه وحرصهم على جعله نموذجا مثاليا في القحط والتخلف السياسي والاجتماعي والاقتصادي ....
أولا : لماذا موريتانيا ؟
لأن مورياتانيا تتموقع بين المطرقة والسندان لهذه الأسباب :
(1) شساعة الأراضي الموريتانية مما يجعلها صعبة المراقبة على الجيش الموريتاني .
(2) ضعف الجيش الموريتاني وقلة خبرته الميدانية .
(3) منذ 1976 أصبحت الأراضي الموريتانية مشاعة للجيش الجزائري وبالخصوص البوليساريو الذي يعيث فيها فسادا كلما ضاقت بهالأحوال.
(4) احتقار حكام الجزائر للموريتانيين من أعلى سلطة في البلاد إلى آخر فرد فيها
(5) غموض الوضع في الحزام العازل بين الساقية الحمراء ووادي الذهب من جهة والحدود الموريتانية من جهة أخرى حيث يتحرك البوليساريو هناك بحرية أمام مرأى ومسمع الموريتانيين جيشا وشعبا لأن البوليساريو لا يفرق بين أراضي هذا الحزام والأراضي الموريتانية حتى أصبحت في عرف البوليساريو أرضا واحدة .
ثانيا : من الجانب المغربي :
رغم الاستفزازات الجزائرية في المنطقة فإن المغرب يبدي كثيرا من ضبط النفس خصوصا فيما يتعلق بالهيمنة الجزائرية على موريتانيا وعلى المنطقة العازلة على مرأى ومسمع من المكون العسكري للمينورسو التابع للأمم المتحدة في تواطؤ سافر بين الجزائر والبوليساريو من جهة والمينورسو من جهة أخرى حتى أضحت المراسلات الاحتجاجية للمغرب إلى الأمين العام للأمم المتحدة بشأن تلك الخروقات روتينية يكتفي مجلس الأمن بالإشارة إليها في تقاريره السنوية دون إصدار أي تنبيهات أو إجراءات ردعية مما يؤكد أن السكوت عن ذلك هو بمثابة تزكية لتخلي سلطة الأمم المتحدة عن تلك المنطقة التي تقدر مساحتها ما بين 20 و 25 % من المساحة العامة للصحراء المقدرة بــ 266000 كلم مربع مما يعني أن المساحة التي تخلى عنها المغرب كمنطقة عازلة تتراوح ما بين 53200 كلم مربع و66500 كلم مربع وهي مساحة أكبر من مساحة بلجيكا أوكرواتيا أوالكويت أوقطر وغيرها من بلدان العالم !!!...
ثالثا: من الجانب الجزائري :
في زيارته للمنطقة انتقل بان كي مون من تندوف إلى بئر لحلو مباشرة وذلك يؤشر على أن تلك المنطقة أصبحت تابعة لمنطقة تندوف العسكرية بقيادة الجنرال سعيد شنقريحة الذي أعلن مؤخرا الحرب على المغرب نهارا جهارا ...
ومن المعلوم أن المرحوم الحسن الثاني حينما بنى الجدار الأمني الذي َطوَّحَ بالبوليساريو خارج منطقة الصحراء كان قد سدَّ كل المنافذ مع الحدود الجزائرية وأن المساحة التي تتراوح ما بين 20 و 25 % من المساحة العامة للصحراء الغربية المذكورة آنفا هي كلها مع الحدود الموريتانية وهو ما جعل الجيش الجزائري وميليشيات البوليساريو يتحركون فيها بحرية يهرولون فيها ولا يفرقون بين الأراضي الممتدة من تندوف الجزائرية إلى الأراضي الصحراوية وبين الأراضي الموريتانية ، أولا في انتهاك سافر للسيادة الموريتانية بكل صلف وازدراء للشعب الموريتاني ، وثانيا في انتهاك سافر لاتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة بين أطراف النزاع عام 1991 ، كل ذلك والأمم المتحدة تتفرج ..إذن البوليساريو أو الجيش الجزائري أصبح طليقا في طريق سالكة من تندوف شمالا إلى ( أكوينيت) في الحزام الصحراوي العازل جنوبا وعبر الأراضي الموريتانية المشاعة .
رابعا : هل هي مناطق عازلة أم أراضي محررة ؟:
في تغيير واضح للخطاب الجزائري وإعلام البوليساريو تم استبدال تعبير " الأراضي المحتلة " إلى تعبير " الأجزاء المحتلة من الأراضي الصحراوية " مما يعني أن البوليساريو يؤكد بأن جزءا من الأراضي الصحراوية قد تم ( تحريره ) وهو تحت سيطرته في إشارة للمنطقة التي تخلى عنها المغرب طواعية كمنطقة عازلة ومنزوعة السلاح ، كما أن الأمم المتحدة بسكوتها عن هذا المنطق وهذا التصرف تكون قد تخلت عن مهمتها في حفظ السلام وزكت تصرفات البوليساريو ودفعت بالمنطقة إلى الحرب وذلك قبل زيارة بان كي مون للمنطقة . ومنذئذ والبوليساريو والجزائر يؤكدون على أن تلك الأراضي تعتبر أول خطوة في ( تحرير ) باقي مناطق الصحراء الغربية من الاحتلال المغربي ، وفــي إشارة قوية على إعمــار تــلك المنــاطق ( المحررة ) تم تعيين وزير دفاع البوليساريو السابق محمد لمين ولد البوهالي وزيرا لبناء وإعمار المناطق ( المحررة ) ...من جهة تخلت الأمم المتحدة عن تلك المناطق العازلة ومن جهة أخرى بدت ملامح تغيير الوضع الجغرافي في المنطقة حيث ظهرت مساحة شاسعة جدا يستحيل على بضعة أفراد من المينورسو مراقبتها فيها يتحرك البوليساريو ظاهريا ومن خلفه الجيش الجزائري في شبه عملية لضم تلك المناطق إلى التراب الجزائري وهو ما عبر عنه المغرب صراحة حينما قال : " إنه في نقل بان كي مون انطلاقا من تندوف إلى بئر لحلو عملية سافرة وممجوجة ومدانة المقصود منها أن تلك المناطق الصحراوية العازلة والمنزوعة السلاح قد أصبحت تابعة للمنطقة العسكرية بتندوف " ... طبعا ومن بئر لحلو إلى ( أكوينيت) في أقصى جنوب المنطقة العازلة من الصحراء الغربية بمحاداة الحدود الموريتانية الشكلية ...لا موريتانيا تحركت ولا الأمم المتحدة في سلسلة من التحركات الجزائرية لفرض أمر واقع جديد يزيد الوضع تعقيدا وتضع المنطقة على برميل من البارود ...
خامسا : هل ستكون الأراضي الموريتانية ميدانا للحرب بين الجزائر والمغرب ؟
نحن الآن أمام صورة واضحة لميدان الحرب الذي اختاره العسكر الجزائري لمواجهة الجيش المغربي ، إنها الأراضي الموريتانية لأنه :
(1) بعد تمريغ كرامة الجيش الموريتاني في الوحل وإذلاله بهزائم مهينة على يد البوليساريو في هجومات على موريتانيا كانت أولها غزوة نواكشوط التي عَرْبَدَ فيها البوليساريو في شوارع نواكشوط يوم 9 يونيو 1976 والتي مات فيها مؤسس البوليساريو الوالي مصطفى السيد الذي خلفه عبد العزيز المراكشي الذي لا يزال حاكمها إلى الآن ( 2016 ).... وللضغط على موريتانيا للانسحاب من محافظة وادي الذهب والاعتراف بجمهورية الوهم شنت قوات البوليساريو هجوما شرساً على مدينة " تشلة " الموريتانية ودمرتها تدميرا يوم 12 يوليو 1979 مما عَجَّلَ بتوقيع اتفاق سري على أن يتم تنفيذ الانسحاب من وادي الذهب بعد ستة أشهر أي في مطلع عام 1980 ، لكن المرحوم الحسن الثاني تغدى بهم قبل أن يتعشوا به فدخل الجيش المغربي محافظة وادي الذهب في 14 غشت 1979 مما زاد الجزائر والبوليساريو حقدا وحنقا على موريتانيا لأنها تأخرت في تسليمهم وادي الذهب ..
(2) وبعد الاعتراف الموريتاني بالجمهورية الوهمية الذي كان بطعم الإهانة والمذلة .
(3) وبعد السيطرة الجزائرية المطلقة على موريتانيا داخليا وخارجيا حتى أصبحت ذيلا مذلولا لحكام الجزائر لن يستطيع أي مسؤول موريتاني أن يرفع بصره في حضرة أي جزائري ولو من عامة الشعب ( لاحظ الجميع كيف لا يستطيع مسؤول مورياتاني أن يرفع بصره أمام المسؤولين الجزائريين ذلا ومهانة ) فالموريتانيون يرهبون حتى ظل الكرسي المجرور الذي يجلس عليه بوتفليقة ..
(4) وبعد أن دقت الجزائر آلاف الأسافين للتفرقة بين موريتانيا والمغرب ونجحت في ذلك نجاحا باهرا واستمر الضغط حتى سحبت موريتانيا سفيرها من الرباط منذ حوالي ثلاث سنوات ، ودفعت في اتجاه القطيعة مع المغرب رغم استمرار المغرب في سياسة ضبط النفس والإبقاء على شعرة معاوية مع موريتانيا وخاصة فيما يتعلق بالإبقاء على منح الدراسة المدفوعة للطلبة الموريتانيين الذين يدرسون في المغرب بالإضافة إلى استمرار تدفق الخضر والسلع المغربية على الأسواق الموريتانية .
(1) وبعد أن تم إلحاق بئر لحلو بالقيادة العسكرية بتندوف أمام أمام أعين بان كي مون والمينورسو ومباركتهم .
(2) وبعد استمرار البرودة بل والقطيعة المغلفة رغم زيارة السيدة خديجة امبارك فال الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون المكلفة بالشؤون المغاربية والإفريقية وبالموريتانيين في الخارج للمغرب ما بين 6 -7 أبريل 2016 وتبادل عبارات المودة والحنان مع بعض المسؤولين المغاربة منهم السيدة امباركة بوعيدة الوزيرة المغربية المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون ، رغم كل ذلك لم يتغير موقف موريتانيا من المغرب خوفا ورعبا من ظل كرسي بوتفليقة المتحرك ومن عربدة الجيش الجزائري في أزقة نواكشوط وشوارعها كما فعلوا يوم 9 يونيو 1976 الهجوم الذي لا يزال منقوشا في ذاكرة كهول موريتانيا وشيوخها وسيبقى إلى الأبد .
بعد كل ذلك يمكن القول إن كل حرب قد تقوم بين الجزائر والمغرب ستكون على الأراضي الموريتانية ، لأن الأراضي الموريتانية قد اختلطت مع الحزام العازل شرق الجدار الأمني الذي بناه المغرب من جهة ، وأن كل محاولة للمغرب لاسترداد المنطقة العازلة التي تخلى عنها طواعية ستعتبرها الجزائر- لا موريتانيا – اعتداءا على الأراضي الصحراوية ( المحررة ) من جهة ثانية ، وعليه ستكون موريتانيا مضطرة – مكتوفة الأيدي – للتفرج على حرب ستغير ملامح المنطقة رأسا على عقب وقد تذهب بكثير من أراضيها ولن تستطيع تحريك ساكن ...
عود على بدء :
مُخْطِئٌ من يعتقد أن أي حرب بين الجزائر والمغرب ستكون على واجهة الحدود التقليدية بين البلدين ، بل إن الكيان الهزيل الواهن لموريتانيا هو الذي سيفرض نفسه على الطرفين كساحة للقتال أولا لوجود منطقتين منقسمتين تنتميان معا للصحراء الغربية المتنازع عليها وهي منطقة الصحراء المغربية التي ضمها المغرب وثانيا الشريط العازل الذي تنازل عنه المغرب طواعية والذي استولت عليه الجزائر والبوليساريو ، وهذا الأخير منطقة متاخمة بل متماهية مع الأراضي الموريتانية السائبة ...
ملاحظات لا بد منها :
*هذا السيناريو ممكن جدا وليس مستحيلا بل هو الأقرب للمنطق والواقع الذي صنعته الجزائر طيلة 40 سنة من الصراع على الصحراء الغربية مع المغرب ومستعدة لتنفيذه في كل وقت وحين ...
*لا يمكن أن يعمل على تحييد الأراضي الموريتانية من أي حرب بين الجزائر والمغرب - حسب هذا السيناريو - سوى تهديد فرنسي بالتدخل العسكري المباشر ضد القوات الجزائرية إن هي توغلت في عمق الأراضي الموريتانية ، وهذا متوقف على صحة الإشاعة الرائجة عن وجود اتفاقية عسكرية بين موريتانيا وفرنسا لحمايتها من أي تدخل عسكري أجنبي ، وهو أمر محتمل جدا لأنه لولا وجود مثل هذه الاتفاقية العسكرية مع فرنسا لكانت موريتانيا في عداد المفقودين على يد الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر ...
الغصة : صحيح أم غير صحيح ففي كل الأحوال سيترك هذا الكلام غصة مُرَّةً في الحلق مرارة العلقم ، لكنها غصة حقيقية تُسَاِئل حكام الجزائر قبل غيرهم : لماذا كل هذا العناد والمكابرة ، فلا الشعب الجزائري استفاد من تلك المكابرة والعناد اللذين بهما ضيع حكام الجزائر آلاف الملايير من الدولارات على الشعب الجزائري المغبون في كل حقوقه طيلة 54 سنة ، ولا هم تركوا الشعبين الموريتاني والمغربي يعيشان في سلام ... وإن لم تكن هناك لا حربٌ ولا هم يحزنون فإننا نشتم رائحة المستعمر الفرنسي بين ثنايا هذه اللعبة الحقيرة التي سقط فيها حكام الجزائر واستمرأوها ... ومرة أخرى نسائل حكام الجزائر : لماذا سقطوا في لعبة المستعمر هذه ولماذا هذا التمادي في الملاججة الصبيانية وقد انكشف كل شئ ؟..
سمير كرم