خصص الكاتب والفيلسوف الفرنسي بيرنار هنري ليفي افتتاحيته في مجلة ‘‘ لوبوان ‘‘ الفرنسية للخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب. الفيلسوف الفرنسي حيى التزام العاهل المغربي في مواجهة الراديكالية الأصولية . وهذا النص الكامل للافتتاحية :
‘‘ بينما نتمرغ جميعنا في وحل فخ ‘‘ البوركيني ‘‘، شهدت الثورة العالمية ضد ‘‘ التطرف ‘‘ نقلة نوعية ودخلت في سياق حاسم.
نحن في 21 غشت .
ملك المغرب يلقى خطابه السنوي تخليدا لذكرى ثورة الملك والشعب من طنجة .
بعد استحضار عام لمشاكل التنمية ومصير إفريقيا، ودور المقاومة المغربية في دعم المقاومة الجزائرية إبان الصراع من أجل الاستقلال، توقف العاهل المغربي عند ظاهرة ‘‘ التطرف الإسلامي ‘‘ مذكرا بسلسلة ضحاياها الطويلة التي راحت أرواحها جزافا بإسم الإسلام، وفي مقدمتها القتل البشع لراهب كاثوليكي في 26 يوليوز الماضي في قلب كنيسته.
هذا أقل الواجب ؟
نعم ولا ..
إعلان حرب في الأرض والسماء
أولا لأنه لم يسبق لي أن عاينت زعيم دولة يستعمل كلمات بنفس القوة.
ولكن أيضا لأن هذا الزعيم لا يشبه باقي الرؤساء والزعماء والقادة، إذ يتمتع بمكانة خاصة في العالم العربي السني ، ألقابه ‘‘ العاهل الشريف ‘‘ و ‘‘ أمير المؤمنين ‘‘ وقيمته كسبط من أسباط الرسول، تعطي لتصريحاته بعدا لا ينطبق على تصريحات وخطابات الآخرين .
في هذا الخطاب، لم يكتف العاهل المغربي بإعلان الحرب على الجهاديين، بل يتوعدهم بحرب في الأرض وفي السماء.
لقد صنفهم خارج القانون، ليس فقط القانون الإنساني، بل الإلهي أيضا .
لقد واجههم في ملعبهم العقائدي وطرح تصورهم الغريب للآيات القرآنية، بالاستناد على آيات أخرى تفندها، أو تأويلات أخرى للآيات ذاتها، أو استنادا على الأحكام المطلقة، أو بكل بساطة، من خلال قراءته الخاصة. لقد كشف زيف أخطائهم وادعاءاتهم .
وبطبيعة الحال، يسعنا دائما رفض الدخول في هذا النقاش أو تجاهله على الأقل .
كما يسعنا أيضا، كما هو حال الشريحة الكبرى من زعماء الدول الإسلامية وغير الإسلامية، أن نردد في كل مرة أن ‘‘ لاعلاقة للإسلام بالمتأسلمين ‘‘.
محمد السادس يخرج عن هذه القاعدة. إنه يعترف بالعلاقة والسببية والمرجع.
الخطاب فضح ادعاءات هؤلاء المارقين عن القانون بالنهل من القرآن لتبرير أعمالهم الوحشية، نازعا منهم حق استعمالها لهذا الغرض.
خلاصة القول، لقد زعزع أساليبهم السياسية – الدينية التي تغذي الإرهاب الجديد وتوسع نطاقه، عبر فضح هذا التداخل بين السياسي والديني، بعكسه على نفسه وإثبات الخطأ / الهوة التي أوقع نفسه فيها، ما ينزع قدسية التبرير عن أعمالهم الوحشية. لقد عزلهم خارج دائرة المؤمنين الحقيقيين وكشف بأنهم زوائد لا غاية لوجودها. وبذلك يكون العاهل المغربي قد مهد الطريق لنزع أية سلطة مازالوا يمارسونها على النفوس الضعيفة.
وكما أطلق، في بداية عهده ملكا للمغرب، إصلاحه الكبير في المساواة بين الجنسين، من خلال نقاشات بين المحافظين والحداثيين، ومشاورة الهيئات النسائية والفقهاء، انتهت بالمصادقة على قانون جديد الأسرة يجمع بين قيم الحداثة وحقوق الإنسان وتعاليم الإسلام .
على نفس المنوال انطلق في الغرب المسيحي : تحرر التنوير . فكر عقائدي ضد آخر، إله الناموس الطبيعي ضد إله تعذيب الأجساد… وبالنهاية، فهذا الصف كما في الصف الآخر، انتهى الكل بالاعتراف، في كل موضوع، بحتمية التجاوز والرقي كطريق واحد ومثالي ومتفرد لأبدية الحقوق الإنسانية.
فلطالما نادى علماء المسلمين بأن لا إكراه في الدين وأن لا مكان لرؤية وثوقية واحدة.
‘‘ ستتبوءون مكانكم في النار ‘‘
لديكم الاحتيار، يقول العاهل المغربي، لكل رعاياه كما هو الشأن بالنسبة لكل مسلم سني ممن يقرون بمشروعيته الدينية:
خليفة مضطرب غير واضح، بدون ذاكرة ولا حكمة، ينصب نفسه بالحديد والنار، وسلالة شريفة تمتد جذورها لقرون، ضاربة في عمق التاريخ، أفلتت من الحكم العثماني دون خروج عن الملة.
لكن … حذاري
باسم إمارة المؤمنين التي يتزعمها، يضيف ‘‘ إذا اخترتم الشخص الأول بانضمامكم للعلم الأسود للخلفاء المزعومين الذين يأولون القرآن والسنة لأغراضهم الشخصية، الذين يكفرون الناس بدون وجه حق، أنتم من تكفرون أنفسكم وأنتم من يغرق في بحر الكفر، وأنتم من سيقبع في النار عوض الذهاب إلى الجنة التي يعدونكم بها حيث الحوريات وعذراواتها ‘‘.
انها فحوى خطاب طنجة.
انه معنى الالتفاتة الكبيرة والرائعة لحفيد السلطان، الذي واجه الفرنسيين بشجاعة نادرة، العام 1942، وهو يتضامن مع اليهود.
على حلفائه اليوم الاقتداء بهذه الخطوة الجريئة.
عليهم الانتباه لجسامة وخطورة الجرأة التي تحلى بها، عبر وقوفه صراحة، ضد طائفة المجرمين.
نأمل من الله أن يعززه بكل ما يحتاج إليه في هذه المعركة، من راحة نفس وسلامة ضمير ورخاء اقتصادي، سيكون في أمس الحاجة إليها.
المغرب اليوم في خط المواجهة الأول … وعلى الجميع الوقوف بجانبه.
بيرنار هنري ليفي