معهم حق. نحن مجرد مرتزقة. بيادق في يد الأسياد. يملي علينا المخزن ما يريد. المخزن كسول وعاجز، لذلك يبحث عن أمثالنا ليؤدي لنا، في نهاية الشهر، حفنة مال مقابل ألسنتنا وأقلامنا ووجوهنا.
قد نخدمه بالمجان أيضا. فنحن خانعون بالقدر الذي يجعلنا جاهزين ومستعدين لتقديم خدماتنا بهذا الشكل.
نحن تجار أفكار. مستثمرون على طريقتنا. لا نقول قولا إلا وقد حسبنا كم سنتقاضى عنه. لا مبدأ لنا. نقايض الفكرة بالدرهم. ونبيع التحليل بالدرهم. نستبيح كل شيء من أجل الدرهم. والدرهم أبو “عشرين” ريال لمن يحب التدقيق في “الصرف”.
نحن جماعة لا دين ولا ملة لها. لا انتماء ولا أفكار. مجرد “إمعة”. نحن بني “وي وي”. يقال لنا قولوا فنقول، اكتبوا فنكتب، اضربوا فنضرب، غضوا الطرف فنغض… هكذا نقضي أيامنا. في خدمة المخزن وأجهزته، حتى دون أن نعرف وجه المخزن.
نتلقى التعليمات من المقدم، ومن الشيخ، ومن الخليفة، ومن القائد، ومن الباشا، ومن العامل، ومن الوالي، ومن الكوميسير، ومن رجال المخابرات في الداخل والخارج، ومن الجيش، ومن الدرك الملكي، وحتى من بوليسي الصمطة بيضا. كل من فيه “ريحة” المخزن فهو رئيسنا، ولنا عليه واجب الطاعة، وله علينا واجب تقديم المقابل، نقدا أو عينا، حسب السياق.
نحن ببغاوات تردد ما يملى عليها. لا يهمنا الوطن. لا نؤمن إلا بمن يدفع أكثر. وحاليا المخزن وحده يدفع لنا أكثر. لم نجد بعد في الخارج من ينتبه إلى مهاراتنا لندافع عنه ويؤدي لنا اكثر. ربما لأننا لسنا أذكياء بما يكفي. وربما لأن للخارج لاعبوه المفضلون.
لا مجال للمنافسة مع هؤلاء. هم أمهر منا على ما يبدو. الاحتراف في بطولة “مخزنية” في الخارج، في الخليج أو في أوروبا مثلا، أو حتى في أمريكا، غير ممكن حاليا. لياقتنا ضعيفة مقارنة معهم. هم متمرسون أكثر. إنجليزيتهم أفضل. إيديولوجيتهم أجدى وأنفع، و”جبهتهم” أوسع.
لذلك، لا “بديل” لنا حاليا إلا “البطولة المحلية”، في انتظار “وكيل أعمال” ينتشلنا من هنا، و”يبيعنا” إلى فريق كبير يلعب في بطولة غنية، ويتنافس على الألقاب العالمية!
المخزن الكسول ينادينا، كل صباح، ليتلو علينا جدول الأعمال وخطة العمل. يعلمنا كيف نكتب تدويناتنا، وكيف نعلق على تدوينات الخصوم والأعداء، وكيف نقود الحملات على “المغضوب عليهم”، وكيف نشوه جماعة الملائكة ممن لا يأتيهم الباطل لا من فوق ولا من تحت، ولا من يمين ولا من شمال، ولا من داخل ولا من خارج.
لا شغل لنا غير هذا. لا وقت لقراءة كتاب، ولا لمشاهدة برنامج، ولا لمناقشة أفكار، ولا لتكوين قناعات، ولا لبناء مبادئ. لا نجادل، ولا نناقش، ولا نبدي ملاحظات. جماعة عبيد ليس أكثر.
لا نفتح حسابا على الفايس بوك إلا بإذنه. لا نعلق إلا بإذنه. لا نكتب إلا بإذنه. لا نلتقي الناس إلا بإذنه. لا نخرج في عطلة إلا بإذنه، ولا نمارس الحب إلا بإذنه. هو ولي أمرنا.
ولأن المخزن مخزن، فإنه يسمح لنا بين الفينة والأخرى بفسحة. حين يقل “الرواج”، يسمح لنا بوضع “جيم” على صورة “سيكسي” هنا، وتشاطر أغنية رومانسية هناك، وكتابة خواطر في الحب. لكن جاهزيتنا لا تتوقف. ما أن يدعونا إلى العمل حتى نستنفر كل طاقاتنا وننطلق.
العمل مع “المخزن” روتيني ومتعب وممل. لا إبداع فيه. والمقابل ضعيف شحيح، لا أمل فيه. لا بد من التغيير.
حاليا، لا “بديل” إلا حزب الملائكة. سنجرب حظنا معهم.
لسوء الحظ لم أعرف الأمير مولاي هشام حين كان كريما كتوما، لذلك يصعب أن أستفيد منه الآن “مصدرا” للأخبار والمال، فقد صار “فضاحا” لا يؤتمن جانبه.
ولسوء الحظ أنني عرفت أحمد بنشمسي حين كان يخاف الإضرابات عن الطعام، وفارقته قبل أن يصبح معارضا مناضلا منفيا بلا خبار المخزن. سيكون صعبا أن نلتقي مرة أخرى.
ولسوء حظي أنني لم أؤمن بالثورة، ولم أستطع كسب صداقة رموزها. لم أحفظ إلا قليلا من أغاني الشيخ إمام، والشيخ أصبح رمزا للميوعة بعدما صارت صوفيا صادق تؤدي أغانيه.
لا داعي للاستمرار مع المخزن، فقد بحثت معه عن الثروة فلم أستطع إليها سبيلا. أجرب المعارضة والنضال؟
سأجرب اللعبة حتى وأنا من الجبناء، فلن يمسني أحد بسوء، لأن المخزن صار لطيفا نوعا ما، ولأني لا أذهب إلى شاطئ “المنصورية” إلا مشيا، وبلا رفقة!
أنا شخصيا قادر على التعلم.
يكفيهم فقط أن يثقوا في. ولن أكون أول من أكل من “غلة” المخزن وسبه فيما بعد. أنا الابن الضال، أعيدوني إليكم.
مستعد أن أقتبس من خالد الجامعي كل تحليلاته، وأزيد عليها ما لا يستطيع هو نفسه أن يزيد.
مستعد أن أحفظ كل نظريات المعطي منجب في فنون المؤامرة، وأزينها بأشياء أخرى من باب التجديد.
مستعد أن أردد معهم أن المخزن يغير جلده لكن عمقه لا يتغير.
مستعد أن أصير صديقا لكريم التازي، وأن أبرر كل التناقضات.
مستعد أن أتبنى اجتهادات “الإمام المجدد” حميد مهدوي في أخلاقيات مهنة الصحافة.
مستعد أن أشارك في كل الوقفات الاحتجاجية، دفاعا عن كل شيء وضد كل شيء.
مستعد أن أقول إن الفيضانات تحدث بسبب المخزن، والجفاف يضرب البلاد بسبب المخزن.
مستعد أن أقول كل شيء، وأكتب كل شيء، فتلك الجمل سهلة الحفظ، وسهلة الترديد، لا تكلف كثيرا، لكنها تأتي بالكثير.
مستعد أن أفضح المخزن، وألصق به كل الشرور.
مستعد أن أكون أكثر تطرفا منكم جميعا.
جربوني ولن تندموا، فأنتم في حاجة إلى ضخ دماء جديدة في عروقكم، وأنا في حاجة إلى تغيير الأجواء.
اقبلوني معكم يا حزب الملائكة، فالمخزن صار بخيلا ويؤدي المقابل بالدرهم فقط، وفوق ذلك هو ممل ممل ممل.
رضوان الرمضاني
#مجرد_تدوينة