“الذين يكتبون الهراء ويظنون أنه يحقق ذواتهم ويميزهم في الفايسبوك أو المجتمع… هذه نماذج لأشخاص يتوجب قتلهم بلا رحمة، وفصل رؤوسهم عن أجسادهم وتعليقها بأحد الأماكن المشهورة كنوع من التهديد والترهيب للجميع لكي لا يسيروا على خطاهم”.
الكلام سابقا هو لعمر الصنهاجي، مدير المقر المركزي لشبيبة حزب “العدالة والتنمية”؛ عبر تدوينة خطها على صفحته الفايسوبكية. بل أكثر من ذلك، “المناضل” الصنهاجي لم يتراجع. لم يراجع موقفه المحرض على العنف… بل ظل يدافع عن تدوينته باستمرار، ويستهزئ من كل من انتقدها. “أصر يصر… إلحاحا”، على قول عادل إمام في “شاهد ما شافش حاجة”.
ألم نقل سابقا إنه ليس في القنافذ أملس؟
ألم يكتب الكثيرون بأن داعش بيننا؟
الفرق الكبير والمهم اليوم، أن الدعوة للقتل تأتي من ممثل أحد أهم الأحزاب السياسية المغربية. من ينتقد حزبه، يستحق الذبح والتنكيل بالجثة… تماما على الطريقة الداعشية.
بل والأدهى… والأخطر… هو أن الحزب لم يوجه للصنهاجي أي إنذار. لم يصدر أي بلاغ يتبرأ فيه من كلام “مناضله” ويطمئننا بأنه حزب ضد العنف وضد القتل. بأنه يؤمن بالاختلاف وبحق الآخرين في انتقاده مادام الحزب يُسيّر الشأن العام. الصمت المطلق… يليه الدعم والتضامن تحت شعار: “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”. فداخل التنظيمات الإسلامية، يصبح الانتماء للجماعة أسبق من الانتماء للوطن وللقيم العليا للسلم والاختلاف وحقوق الإنسان.
أوووه… ألم يقل بن كيران أكثر من مرة بأن العدالة والتنمية ليس حزبا إسلاميا وبأنه لا يستغل الدين في السياسة؟ لا بأس، فقد قال ما قاله في ظرفية معينة كانت تستوجب منه أن يقول ذلك. اللسان ما فيه عظم. يمكن لابن كيران أن يقول الشيء ونقيضه في أقل من جزء من الثانية، حسب طبيعة الأفراد الذين يوجه لهم خطابه. ويمكن لأتباعه أن يفعلوا نفس الشيء. وها هو واحد منهم يخرج اليوم لكي يخبرنا بما مضمونه أن الحزب مقدس قداسة الإسلام والرسل والأنبياء. من انتقده يجب قتله بلا رحمة وفصل رأسه عن جسده…
ولأن في كلام “المناضل” عمر الصنهاجي، كما تسميه زميلته أمينة ماء العينين، تحريضا صريحا على القتل، فقد أثارت تدوينته ضجة. ضجة إيجابية لأنها تطلعنا على الوجه الآخر لحزبنا الإسلامي تارة وغير الإسلامي تارة أخرى، حسب ما تأتي به ظروف الخطابة. هكذا، رأينا العديد من قياديي وأعضاء الحزب يدافعون عن الصنهاجي وعن تدوينته. “بوجههم أحمر” كما نقول بمغربيتنا الجميلة. من بين هؤلاء، نجد البرلمانية المحترمة، الأستاذة أمينة ماء العينين. الأخيرة خرجت علينا بتصريح تتضامن فيه مع “رفيقها” في الحزب قائلة: “كل التضامن مع المناضل عمر الصنهاجي الذي يسعون لترهيبه لا لشيء إلا لأنه حر مستقل في التعبير عن رأيه”.
عجيب… هي حرية تعبير إذن سيدتي؟ حرية تعبير لا غير…؟
وها نحن نكتشف مع “العدالة والتنمية” بأن حرية التعبير بدورها تتلون حسب الظروف. تتشكل حسب مصالح الحزب ومواقفه. قد يصبح التحريض على القتل حرية تعبير، في حين تكون حريات فردية تهديدا لأمن الدولة.
لماذا، مثلا، كان حزب “العدالة والتنمية” يرفض نقاش موضوع المناصفة في الإرث؟ ولماذا يرفض الحزب مبدأ حرية التعبير والفكر والرأي فيما يتعلق بحرية المعتقد، لباس المرأة، الحق في الإفطار العلني في رمضان، إلخ؟ ألم يقل بن كيران عن توصية المناصفة في الإرث بأنها صب على النار وتأجيج للفتنة؟ ألم تعارضيها شخصيا في برنامج “حديث العواصم” الذي يعده ويقدمه الصديق جال بدومة، وبشدة؟ ألم يرفض مصطفى الرميد بتاتا كل نقاش حول حرية المعتقد والحق في الإفطار العلني؟ ألا تعارضون بشدة حق المرأة في حرية الملبس؟ ألا تعارضون بشدة المثلية الجنسية والعلاقات الجنسية الغيرية بالتراضي؟ أين حرية التعبير هنا؟ أم أنها لا تستقيم إلا مع دفاع “مناضلكم” عنكم، حتى لو كان ذلك عبر الدعوة للقتل؟
لنلاحظ أيضا بأن كل الأمور أعلاه تتعلق بتفاصيل مرتبطة بحريات شخصية لا تهدد سلامة وحياة الآخرين… في حين أن “المناضل” الصنهاجي يدعو بصراحة للقتل وللعنف. ومع ذلك، ففي لغتكم، يعد تحريضه على القتل حريةَ تعبير، وارتداء فتاة لتنورة تهديدا لهوية وأمن المغاربة. تحريضه على القتل حرية تعبير بينما شرب شخص للماء في نهار رمضاني هو خطر على الإسلام والمسلمين…
اللهم نجّنا من حرية تعبير الصنهاجي وماء العينين وما جاورهما…
سناء العاجي