يوماً بعد يوم يزداد تباين المواقف والخلافات بين جناحين في السلطة الجزائرية بشأن الرهان على خليفة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، سواء في انتخابات 2019 أو إذا ما فرضت الظروف إجراء انتخابات مبكرة في وقت ما.
وتشكل التصريحات الأخيرة لرئيس ديوان الرئاسة الجزائرية، أحمد أويحيى، رسائل تحذير واضحة باتجاه قيادات الجيش من الاعتماد على العدة العسكرية للتدخل في الشؤون السياسية أو الطموح إلى الإمساك بزمام المبادرة السياسية.
أويحيى، الذي يشغل أيضاً منصب الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أكبر أحزاب السلطة، قال خلال مؤتمر طلابي عقد غربي الجزائر، إن "الدولة الجزائرية سخرت كل الأشياء اللازمة من دبابات وجيش لحماية استقرارها، لكن الشعب هو الوحيد القادر على حماية الاستقرار والتغلب حتى على حلف شمال الأطلسي"، وذلك في تعليقه على محاولة الانقلاب في تركيا. وكان أويحيى يوجه رسالة مشفرة إلى قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح بشأن طموحه الرئاسي الذي بدأ يبرز في الفترة الأخيرة بشكل لافت، ولا سيما أنّ مقربين من الأخير نقلوا عنه قوله في أحد الاجتماعات خلال فترة مرض بوتفيلقة "ولمَ لا أكون أنا؟"، في إشارة إلى رغبته في أن يكون خليفة للرئيس الجزائري الحالي.
وتوقف أويحيى عند محاولة الانقلاب في تركيا وما حملته من دروس ورسائل، قائلاً إن "الانقلاب فشل لأن الشعب وقف وخرج للشارع لمساندة (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان، ولهذا يجب تعبئة الشعب لأنه أكبر حماية للاستقرار سواء توفرت الأموال أم نقصت ويستطيع التغلب حتى على حلف شمال الأطلسي"، على حد قوله. وأضاف "الشعب هو وحده القادر على حماية الاستقرار، لذا وجب تعبئة هذه الطاقات الشبابية والطلبة لتوعية الشعب".
حذر أويحيى، ضمنياً، قائد الجيش من مغامرة سياسية قد يرغب في دخولها
وتكرّس تصريحات أويحيى رسالة في اتجاهين، الاتجاه الأول التحذير من مغامرة سياسية يعتقد الأخير، وهو من أكثر السياسيين الجزائريين الثابتين في الصف الأول للسلطة والحكم منذ عام 1997، أن قائد الجيش يرغب في دخولها. وتعزز مؤشرات عدة اعتقاد أويحيى، منها البروز الإعلامي اللافت لقائد الجيش في الفترة الأخيرة وزياراته الميدانية الأسبوعية التي تواكبها عادة تغطية إعلامية مركزية. ويضاف إلى ذلك محاولة قائد الجيش صبّ نجاحات عسكرية حققتها قوات الجيش في الفترة الأخيرة في حسابه السياسي وصورته الإعلامية، ولا سيما بعد تدشينه لمدرسة قرآنية، وقراره تعريب الوثائق والمراسلات الرسمية للمؤسسات العسكرية، وهو ما بدأ يزعج السياسيين. أما الرسالة الثانية الموجهة من أويحيى فهي باتجاه أطراف سياسية تراهن على الاعتماد على قائد أركان الجيش والمؤسسة العسكرية لحسم الموقف لصالحها في لحظة اختيار خليفة لبوتفليقة، بينها عمار سعداني، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الذي يحوز على الأغلبية في الحكومة والبرلمان، والذي يتحالف سياسياً مع جناح يضم سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس بوتفليقة، وقائد الجيش. ويناوئ هذا الجناح بوضوح وصراحة الطموحات السياسية لأويحيى، الذي يعد في نظر كثير من المراقبين، من بين أبرز المرشحين المحتملين لخلافة بوتفليقة في سدة الحكم.
لكن أويحيى ليس وحده من يعتقد أن قائد الجيش يرغب في الدفع بنفسه إلى المعترك السياسي. فقبل نحو أسبوعين كان القائد السابق للجيش الجزائري خالد نزار قد وصف قائد أركان الجيش الحالي بأنه "عسكري هائج". وانتقد نزار، قايد صالح، قائلاً إن "قائد أركان الجيش قام بإقحام المؤسسة العسكرية في المعترك السياسي". ومما قاله أيضاً "نعلم أنه لدى هذا العسكري الهائج والمصاب بجنون العظمة، ينام شيطان المغامرة". ويعتقد نزار أن لدى قايد صالح طموحات تتجاوز موقعه الحالي، في إشارة الى رغبته في الدفع بنفسه إلى معترك التنافس السياسي على منصب الرئاسة لخلافة بوتفليقة، بعد فشل اختبار إمكانية طرح اسم وزير الطاقة السابق شكيب خليل بعد عودته من الولايات المتحدة في مارس/آذار الماضي، عقب ثلاث سنوات قضاها هناك هروباً من الملاحقة القضائية في قضايا الفساد المتهم فيها.
ويعتقد مراقبون أن تصريحات أويحيى تشكل إعلان قطيعة بين جناحين متصارعين في السلطة وتخرج إلى العلن حالة الصراع بينهما. ويقود أويحيى الجناح الأول ويحاول الاعتماد على الواقعية السياسية، فيما الجناح الثاني بقيادة قائد أركان الجيش والأمين العام لحزب جبهة التحرير، كما ينسب إلى هذا الجناح سعيد شقيق الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
تصريحات أويحيى تشكل إعلان قطيعة بين جناحين متصارعين في السلطة
من جهته، يقول الصحافي جعفر بن صالح إن "الرئاسة في كل انتخابات رئاسية كانت تحتمي بجهة من الجيش، تارة بالاستخبارات كما حدث في انتخابات العام 2004 حيث كانت قيادة الجيش تعارض بوتفليقة، وتارة أخرى بقيادة الأركان كما حدث في انتخابات 2014". ووفقاً لبن صالح فإنه "حتى خلال فترة مرض بوتفليقة، أدى الفريق قايد صالح دوراً مهماً في الوقوف الى جانب بوتفليقة"، في إشارة إلى أن قائد الجيش الحالي يريد قبض المكافأة السياسية على الرغم من أن طرح اسم الأخير كرهان لخلافة بوتفليقة يبدو صعب المنال. ومما يعزز صعوبة هذا الخيار أن الظروف الداخلية والدولية لم تعد تتيح عسكرة الرئاسة مجدداً بعد تجربة أول رئيس مدني في الجزائر، فضلاً عن الظروف الداخلية التي تشهد توترات على أكثر من صعيد. ويضاف إلى ذلك أن قوى المعارضة السياسية والمدنية، لن تقبل العودة إلى حكم العسكر، ولا سيما بعد تعديل الدستور والحديث عن الانتقال إلى الجمهورية الثانية والدولة المدنية، منذ تفكيك بوتفليقة لجهاز الاستخبارات الذي كان يسيطر على شؤون الدولة والمشهد السياسي