المحاولة الانقلابية التي استهدفت الرئيس التركي طيب رجب أردوغان لم تكشف فقط نفاق الغرب واستعداده الدائم للانقلاب على مبادئه فقط لأنه ثمة رئيسا لا ينتمي إلى عقيدتهم وصل إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع لا على ظهر الدبابات أو مدعوما من أمريكا أو غير أمريكا، إنما كشف بجلاء أنه بيننا انقلابيون حقيقيون أكثر خطورة من العسكريين الذين أخرجوا الدبابات من الثكنات ليس لحماية حدود البلاد كما ه ثابت في العقيدة العسكرية للجيوش في كل أصقاع العالم بل لإسقاط الديمقراطية..
الانقلاب عرى جزء كبيرا من المحسوبين على التيار اليساري، ففي الوقت الذي كان منتظرا أن يكون اليسار في الخط الأول من المواجهة لاسيما وأنه راكم تاريخا طويلا من المؤامرات والدسائس حاكها القصر ضده أيام كان اليسار يزعج نظام الحسن الثاني، حدث العكس تماما، حيث، فيما يشبه الضحك الممزوج بالبكاء، طلعت علينا ثلة من اليساريين يؤيدون العسكر والدبابات ويشيدون بالانقلاب بدافع الحقد الإيديولوجي لا أقل ولا أكثر.
حينما تعمي الأحقاد السياسية صفا يحسب نفسه دائما تقدميا مؤمنا بالقيم الكونية للديمقراطية وحقوق الإنسان، فالنتيجة تكون أقرب إلى الكارثة، بل إن الذي تابعوا فصول الانقلاب من لحظاته الأولى فهم أن اليسار، أو جانب منه على الأقل حتى لا نسقط في التعميم، انخرط كليا في الانقلاب، وكأن أردغان، على علاته الكثيرة، صعد إلى رئاسة الحكومة كما يصعد عسكري مغمور في إفريقيا إلى تقاليد الحكم.
الذي يدافع عن الديمقراطية عليه أن يكون شجاعا حتى ولو تعلق الأمر بخصومه، لأن الانتماء إلى الديمقراطية غير قابل للتجزيء كما حقوق الإنسان، والذي يكره أردوغان الحالم بمجد عثماني ربما، ينبغي أن يصرف هذا الحق بالتدافع السياسي ومقارعته بالنقد والتحليل، والذي لا يريد أن يصل حزب إسلامي إلى الحكم، ينبغي أن يطرح برنامجا بديلا قادر على إقناع الناخبين أن النظام الحالي غير صالح لدولة قريبة من أوربا وتوجد في قلب منطقة تغلي من كل الجهات.
لماذا لا يدبلج اليسار المغربي تجربة اليسار التركي الذي قدم درسا بليغا في الاختلاف السياسي، فأردوغان الذي كان يكره اليسار كرها جعل أنصاره يتهمونه بالتنسيق مع الأكراد لتقويض أركان الحكم، لم يصدق أن هؤلاء الذين يكرههم، بدافع العماء الإيديلوجي، نزلوا إلى الشارع دفاعا عن رئيسهم ودفاعا عن الديمقراطية التركية المتينة، فالصراع حول الأفكار مكانه صناديق الاقتراع لا ثكنات العساكر..هكذا تقدم الشعوب العظيمة دروسا في الاختلاف.
كي تكون سلفيا، لا يكفي فقط ذا لحية كثة محشوة بغبار التاريخ، ولا يكفي أيضا أن تكون معتنقا لأفكار دينية متطرفة، يكفي فقط أن تكون ضد إرادة الشعوب وضد الديمقراطية ومع الانقلابيين والمتآمرين والجبناء المهزومين في معركة الصناديق. هذا بالتحديد ما ينسحب على اليسار المغربي، الذي بدا مزهوا بانقلاب مكتمل الأركان ليس فقط على إرادة الأتراك بل على الإنسان التواق للتحرر أينما كان.
لما كان الأوربيون يريدون السخرية من الإمبراطورية العثمانية المتهاوية، كانوا ينعتونها بالرجل المريض، والحق أن ما حدث في تركيا قبل يومين أكد بما لا يدع مجالا للتأويل أن اليسار المغربي رجل مترهل ومريض ويحتاج إلى علاج مستعجل لأن "داء العطب" أصيل، فأن تتخلى على مبادئك في اللعبة السياسية وتتنازل للنظام وتخذل أنصارك في كثير من القضايا قد نقبله بمضاضة ومرارة أيضا لكن أن تساند "حفنة" من العسكريين ضد الإرادة الشعبية، فهذا بالفعل- مع تحوير صغير لعبارة ماركس-..بؤس السياسة.