عيّنت الجزائر زعيما جديدا لجبهة "بوليساريو" التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية وإقامة دولة مستقلة فيها، علما انّ هذه الصحراء جزء لا يتجزّأ من المغرب. انّها الأقاليم الصحراوية في المملكة المغربية، لا شيء آخر غير ذلك.
خلف إبراهيم غالي محمد عبدالعزيز الذي توفّي قبل أسابيع في الولايات المتحدة حيث كان يعالج من مرض عضّال. كان غالي خيارا جزائريا نظرا الى تشدده، اكثر من ذلك. هو من سماره، احدى المدن المهمّة في الصحراء، بما يدلّ علي ان الجزائر تريد الذهاب الي النهاية في المتاجرة بالصحراويين وبقضية مختلقة لا هدف منها سوى استنزاف الاقتصاد المغربي.
على هامش اختيار الجزائر إبراهيم غالي ليكون الرئيس الجديد لـ"الجمهورية الصحراوية" التي ليست سوى جمهورية وهمية او "فضائية" على حدّ تعبير الملك الحسن الثاني، رحمه الله، في احد مؤتمراته الصحافية في ثمانينات القرن الماضي، هناك ملاحظات تفرض نفسها.
أولى الملاحظات ان اختيار هذا الرجل لخلافة محمد عبدالعزيز يعكس نيّة جزائرية في متابعة التصعيد مع المغرب بدل الاقتناع بان مطالب "بوليساريو" لا افق لها ولا علاقة لها بحقّ تقرير المصير للشعوب. لو كانت الجزائر حريصة على حق تقرير المصير للصحراويين لاقامت لهم دولة داخل أراضيها، خصوصا ان جزءا من الأراضي الشاسعة لـ"الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية" يقيم فيه صحرايون. هؤلاء موجودون في شريط يمتد من موريتانيا، على المحيط الأطلسي، الى السودان على البحر الأحمر. لماذا لا تصب الجزائر جهودها وامكانتها على طرف آخر غير المغرب؟ لماذا لا تبحث عن مكان آخر غير المغرب تمارس فيه هواية الهرب من مشاكلها الداخلية وتنفيس الاحتقان خارج أراضيها؟
اما الملاحظة الثانية، فهي ان الجزائر ترفض اعتماد سياسة واقعية تقوم على مقاربة عقلانية لنزاع مصطنع تقف خلفه عقلية سياسية بالية. تقوم هذه العقلية على إيذاء الآخر بكلّ الوسائل المتاحة، حتّى لو كان بلدا جارا، بدل العمل على إيجاد تعاون إقليمي يصبّ في متابعة الحرب على الإرهاب التي تهدد كلّ دولة من دول المنطقة. كيف يمكن اعتبار ايذاء الجار المغربي سياسة... ام ان وهم الدور الإقليمي يبرّر كل نوع من الممارسات، بما في ذلك الحؤول دون بلورة تعاون إقليمي في مواجهة الإرهاب؟
هناك ما هو اهمّ من الإرهاب. هناك الفقر الذي تعاني منه مناطق معيّنة في شمال افريقيا. هذا الفقر يولّد حاضنة للتطرف والأفكار في كلّ المجالات. انّها الحرب على الفقر التي ترفض الجزائر خوضها مساهمة منها في تسهيل مهمّة الإرهابيين في شمال افريقيا، بما في ذلك في الساحل الصحراوي. فالارهابي بالنسبة الى الجزائر ليس إرهابيا عندما يعمل خارج أراضيها!
يقول المنطق انّ ما يسمّى قضية الصحراء، هو في الواقع نزاع مغربي ـ جزائري. لا حل نهائيا من دون تسوية هذا النزاع بين البلدين، خصوصا ان اللعبة الوحيدة في المدينة هي الطرح المغربي القائم على الحكم الذاتي الموسّع للاقاليم الصحراوية في اطار اللامركزية المعتمدة في المملكة. تنفّذ هذه اللامركزية في ظلّ قوانين واضحة كلّ الوضوح ودستور عصري يحفظ الحقوق لكلّ مواطن ومقيم في المغرب.
تبقى ملاحظة ثالثة هي انّ الجزائر، عبر تعيينها ابراهيم غالي امينا عاما لـ"بوليساريو" تسعى مجددا الى الاحتماء بالأمم المتحدة وانحياز امينها العام بان كي مون لتبرير سياسة لا طائل منها تصبّ في إبقاء القضية مطروحة، لا لشيء سوى لان الهدف واضح كلّ الوضوح ويتمثل في الهاء المغرب عن الهمّ الأساسي لدى الملك محمّد السادس، أي همّ الحرب على الفقر وتطوير مؤسسات المملكة وبنيتها التحتية لمواجهة تحديات المرحلة. على رأس هذه التحديات التعاون في مجال مكافحة الإرهاب واحتواء الوضعين التونسي والليبي وفي منطقة الساحل حيث لا تبدو "بوليساريو" بعيدة جدا عن الاحداث الخطيرة التي تشهدها تلك المنطقة.
يبقى ان ابعد من تعيين إبراهيم غالي خليفة لمحمد عبدالعزيز، ان هذا القرار الجزائري يعكس حالا من الجمود لا يستطيع البلد الخروج منها في وقت ليس معروفا من هو الممسك الحقيقي بالسلطة من المحيطين بالرئيس المريض عبدالعزيز بوتفليقة.
لم يستطع بوتفليقة نقل الجزائر من مكان الى مكان آخر على الرغم من انّه امضى سنوات طويلة وزيرا للخارجية في عهد هواري بومدين ثم رئيسا للجمهورية منذ 1999. بقي اسير أوهام لا علاقة لها بالعالم الذي تغيّر. وهذا حال دون تمكن الجزائر من تطوير اقتصادها والانفتاح على العالم وعلى محيطها. بقيت أسيرة سياسات صغيرة من نوع الردّ على وقوف دول مجلس التعاون في الخليج العربي مع المغرب في ما يخص قضيّة الصحراء بإرسال وزير لمقابلة بشار الأسد، رئيس النظام السوري الذي لا همّ له سوى قتل مزيد من السوريين وتدمير ما بقي من سوريا.
الاهمّ من ذلك كلّه، بقيت الجزائر بكلّ بساطة أسيرة عائدات النفط والغاز، في حين يمتلك البلد المليء بالكفاءات الانسانية ثروات هائلة في الإمكان تطويرها والاستفادة منها.
ساعد ارتفاع أسعار النفط والغاز ابتداء من العام 1999، تاريخ وصول بوتفليقة الى الرئاسة، في تكوين احتياط مالي كبير زاد على مئة وخمسين مليار دولار. بدل توظيف هذا المال في مشاريع إنمائية تلائم حاجات المجتمع والبلد وتعمل على تطويرهما وتساعد في الاستغناء تدريجا عن الاعتماد على النفط والغاز، اعتمد النظام أسلوبه القديم القائم على اسكات المواطن عن طريق اقتصاد ريعي، يعكس الايمان برشوة الناس. ينمّ هذا الأسلوب في التعاطي مع المواطن، في واقع الحال، عن قصر نظر لا مثيل له في العالم. فبعد النظر كان يفرض تحويل الاقتصاد الجزائري الى اقتصاد منتج، بما في ذلك تشجيع الاستثمارات الأجنبية بدل التمسّك بشعار ان "هدف كل مستثمر اجنبي هو سرقة الجزائر". بقيت الجزائر أسيرة ايّام هواري بومدين الذي فشلت كل "الثورات" التي قام بها بدءا بثورة "التعريب" التي انتجت مئات الآلاف من اشباه الاميين الذين التحقوا بالمنظمات الإسلامية المتطرفة، التي لا علاقة لها بالإسلام الحقيقي... وصولا الى "الثورة الصناعية" و"الثورة الزراعية".
لا حاجة الى العودة الى الماضي للتذكير بالكوارث التي حلّت بالجزائر التي تخشى فتح حدودها المغلقة منذ العام 1994 مع المغرب. لكنّ كلّ ما يمكن قوله انّ التاريخ يعيد نفسه في هذا البلد الذي يعاني كبار المسؤولين فيه من عقدة اسمها عقدة المغرب.
الأكيد ان ليس بالجمود يمكن حلّ أي من المشاكل العميقة التي تعاني منها الجزائر. ما هو اكيد اكثر من ذلك، انّ العودة عن الخطأ فضيلة وان تكرار تجربة "بوليساريو" الفاشلة عبر إبراهيم غالي لا يفيد أي بلد من بلدان المنطقة، خصوصا الجزائر في وقت يبحث البلد عن طريقة لتفادي كارثة كبيرة في مرحلة البحث عن خليفة لبوتفليقة.
من السهل إيجاد خليفة لمحمد عبدالعزيز. الصعب سيكون إيجاد خليفة لبوتفليقة في ظل افلاس للنظام على كل صعيد.
خيرالله خيرالله.