لا أعرف من انتبه إلى حلقة “الشريعة والحياة” التي يقول فيها القرضاوي، شيخ الإخوانيين في العالم بأن تفجير النفس في المدنيين حلال، وأن الأمر مشروط بموافقة الجماعة فقط على هذا التفجير، وعلى ترتيب أموره، لكن هاته الحلقة التي عادت للظهور في الأنترنيت مؤخرا، فعلا تفسر عديد الأشياء التي يحاول التنظيم العالمي للإخوان المسلمين إخفاءها دوما رغم أنها من الواضحات الفاضحات.
لنذكر الناس قبلا أن الأمر يتعلق برجل تقدمه أدبيات الإسلام السياسي باعتباره “الأكثر اعتدالا” من بين كل نجوم الدعوة إلى مزيد من الخلط بين الدين والسياسة، وبرجل يبرع الأتباع في الإشادة بمناقبه، وفي بيع صورته وفي القول إنه يسعى دوما إلى اليسير السهل، وأنه يحارب التطرف المبالغ فيه الذي تمثله القاعدة وداعش وغيرهما
ولنذكر الكل أيضا أن هذا الرجل يحظى دوما بالدعوات لحضور الجلسات والحفلات المناسبات في غير ما بلد من عالمنا العربي والإسلامي، وأنه لطالما كان نجم نجوم الإخوان هنا في المغرب، حفاوة واستقبالا وتنويها وإعدادا لطيبات الحياة مما تحبه نفسه سواء كانت أكلات مغربية تقليدية أم كانت أمورا أخرى مما اكتشفنا أن أتباع التنظيم العالمي يحرصون عليها هي أيضا حرصا شديدا، وما حكاية أحمد منصور عنا ببعيدة وهو الذي اكتشفنا أنه لم يكن يأتي إلى المغرب من أجل تكوين الصحافيين، أو لنشر الدين الإسلامي، بل كان يأتي لنشر رجليه بين أرجل نسائنا، ومن أجل قضاء وطره عرفيا ثم العودة إلى الديار..
من هذا التسريب السري/ العلني الجديد الذي رأيناه حين بثه على قناة “الجزيرة” نستفيد أمرا واحدا وأساسيا: داعش والقاعدة لم تولدا من عدم، ولا وجدتا نفسيهما صدفة بيننا.
هما معا نتاج أنظمة تعليمية وإعلامية تفكيرية خربت العالمين العربي والإسلامي، واعتمدت من خلال إغداق مال وفير على السوق، ومن خلال إغراق كل الدول والبلدان بمنشورات التفكير وبمكتوبات الدعاية الإرهابية أن تنتج لنا اليوم جيلا كاملا من الإرهابيين، لدينا معه معركة العمر لتخليصه مما آمن به واعتنقه من شرور
وعندما نستمع لبعض أهلنا هنا في المغرب، يبررون أو يبحثون عن التبرير الأكثر قابلية للإقناع لكلام القرضاوي، بأن يدعوا أنه يعني فلسطين فقط في حكاية تفجير المدنيين أنفسهم، أو أنه يتحدث عن الضرورات التي تبيح المحظورات، نفهم أن الضربة أعمق مما نتخيل، وأن معركتنا لاستعادة عقول هذا الجيل من الإرهابيين المفترضين من براثن هذا التفكير الداعشي هي معركة طويلة الأمد.
حقيقة، سيلعب فيها الجانب الأمني المتيقظ المستبق دورا أساسيا للقبض على المؤمنين بفكر القرضاوي ومن معه، لكن المعركة فكريا وسياسيا يجب أن تخاض لأن في عدم خوضها إبادة لنا جميعا
وعندما نرى من يفترض فيهم خوضها بدرجة أولى أي أحزابنا السياسية، ونسأل أنفسنا إن كانت هاته التشكيلات السياسية تمتلك حقا نفس الدرجة من الحذر تجاه الإرهاب وقاعدته الفكرية والسياسية مثلما تمتلك الدولة في المغرب اليوم يعود إلينا السؤال دونما رد واضح، بل يعود إلينا محملا بعديد الأسئلة الصغيرة التي تتناسل حوله، من قبيل : ومن قال لكم إن هاته الأحزاب السياسية تريد حقا محاربة هاته الظاهرة؟ ومن أقنعكم أن النخبة اليوم في المغرب وفي غير المغرب لا تجد في الإرهاب فزاعتها التي تشهرها في أوجهنا جميعا كلما ضاق بها الحال وعجزت عن إقناعنا بخطاب سياسي رصين متماسك؟
إن السياسي الذي يقول للمغاربة مثلا “صوتوا على حزبي وإلا فإن الاستقرار الذي أضمنه لكم لن يدوم والإرهاب سيضربكم أنتم أيضا مثلما ضرب سوريا وتونس واليمن وليبيا”، هو سياسي رعى لسنوات عديدة الفكر الإرهابي، وتربى في حضن القرضاوي وأشباهه، ولايمكنه اليوم أن يقتنع أن محاربة الإرهاب ضرورة أو ماشابه هذا الأمر من ترهات
العكس هو الذي يحصل: هذا السياسي سيبحث دوما عن مدخل ما لهذا الإرهاب لكي تبقى الحاجة إليه قائمة.
وهنا فعلا مكمن الداء، بل مكمن كل الأدواء.
فكروا في الأمر قليلا، و”ردوا علينا الخبار”….